إعلام الموساد

يترنم الإسرائيليون بأنهم ديمقراطيون وأن خصومهم غير ذلك. وبلغة الإعلام فإن النظام الديمقراطي لا يتعامل مع الإعلام المركزي الذي يعتمد على سلطة عليا ترسم له الخطوط وتملي عليه التفاصيل. وشأن كل الأكاذيب التي قامت عليها إسرائيل، فإن الأكذوبة الإعلامية أكثر وضوحا. فالإعلام الإسرائيلي مركزي وكامل التخطيط، بل إنه إعلام أجهزة أمنية مثل الشاباك والاستخبارات العسكرية وبالطبع الموساد.
من متابعتي للإعلام الإسرائيلي محليا وعالميا لاحظت أنه يكثف رسائله حول موضوع لمدة محددة ثم يهجره إلى موضوع آخر ثم يهجره إلى ثالث ويتركه إلى رابع، أي أنه لا يدير خطوطا متوازية بل يمضي وراء خط واحد، يكثف جهوده عليه، ليخرج بتأثير قوي وعميق.
القضية الأولى هذه الأيام وحسب تعليمات الموساد هي إيران. والدور الإعلامي الإسرائيلي يتلخص فيما يلي: أ - استعداء شعوب العالم على إيران. ب - استخدام التاريخ والحديث عن رغبة نجاد في إعادة الإمبراطورية الفارسية. جـ - التعامل مع المشروع النووي الإيراني على أنه تهديد للعالم أجمع بما في ذلك الولايات المتحدة. د - استقطاب قوى الضغط اليهودية للتأثير في صناع القرار في واشنطن لمواصلة الضغط، مع أن الحرب ليست في صالح أمريكا. هـ - فتح ملفات الشيعة والسنة لإغراق خصوم إسرائيل في حروب فيما بينهم. و- استكتاب أقلام عالمية لترديد النغمات نفسها. وكالعادة يؤمن اليهود بفكرة الرسالة الواحدة في وسائل متعددة. أي أن الفكرة التي اختاروها يجري تمريرها في الصحافة والإذاعة والتلفاز والإنترنت والكتب والمحاضرات العامة والتصريحات العابرة المدروسة لعملائهم وحلفائهم. ز - نقل أفكار إسرائيل وتوجهاتها من حيزهم المحدود بلغتهم الميتة إلى آفاق اللغات الحية وعلى رأسها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية.
ويتطوع الإعلاميون المفلسون للترجمة ونقل الأفكار الصهيونية إلى كل بقاع الأرض. ولدينا في العالم العربي مجموعات تعتبر خدمة إسرائيل «سياسة أمر واقع De Facto» تنم عن نضج سياسي!
الموضوع الثاني، الذي يركز الإسرائيليون عليه بتوجيه من الموساد هو صراعهم مع الفلسطينيين ورسم صورة للخصم الفلسطيني حسب هواهم. فمن اتبع طريقهم فهو واقعي ذكي ومن عارضهم فهو إرهابي عنيد ولذلك فإن دراسات تحليل المضمون للتعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين أثبتت ما يلي:
أ - إن رسم صورة الفلسطيني الإرهابي تمثل الأركان والأعمدة الرئيسة للإعلام الموسادي. ولا مجال لتغيير ذلك لأن التغيير يعني تقويض الأكذوبة الإسرائيلية التي صدرتها إلى أوروبا وأمريكا وصدقها الاثنان بكل أسف.
ب - التركيز على الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني والفلسطيني - العربي (خاصة الأردني - المصري - اللبناني). لإظهار الفلسطيني في صورة الرافض للسلام، في حين أنها لا تطلب منه أقل من الاستسلام.
جـ - تطويق وسائل الإعلام الخارجية - الإقليمية والعالمية - حيث تمضي قدما في رسم صورة الفلسطيني على أنه بؤرة الإرهاب، مع التغاضي الكامل عن العمليات الإجرامية الإسرائيلية، والتي وصلت الخسة بوسائل إعلام أوروبا وأمريكا إلى حد تصويرها بأنها «دفاع عن النفس».
د - إصدار سيول من المطبوعات وإعداد المحاضرات لمن يواليهم في موقفهم من الفلسطينيين عملا بقاعدة أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الجميع وأغرق المحايدين بشلالات التضليل.
وتتمتع إسرائيل بدعم لا محدود من الإعلام الأمريكي الذي هضم جميع الأفكار والتوجهات الإسرائيلية ويتبنى إعلاءها وإبرازها للعالم. وعندما تخفت الحملات ضد الفلسطينيين، يتوجه إعلام الموساد إلى الابتزاز. وهنا نذكر الملف الثالث لهذا الإعلام التسلطي الأمني وهو علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، وينطوي هذا الملف على الإشادة بمؤيديهم وتخويف معارضيهم باللغة التي يفهمها (التشهير الإعلامي - التصدي في الانتخابات - وشراء خصومه - وحرب الإشاعات - وتهييج جماعات الغوغاء التي تستخدم الإنترنت والبريد والهاتف للهجوم على هؤلاء). ويبرز الإعلام الذي يتناول الولايات المتحدة، كلما قررت واشنطن التدخل أو إرسال مبعوث أو بحث قضية من قضايا الشرق الأوسط (إيران وفلسطين). وغالبا ما يؤتي هذا الإعلام ثماره فنرى رضوخا غير مبرر وتكرارا مملا للمواقف الإسرائيلية أو الأمريكية المؤيدة لها.
أما الملف الرابع الذي يباركه الموساد فهو فتح صفحات وجسور تواصل مع القوى الصاعدة والزاحفة إلى قمة النفوذ في العالم. هنا يأتي تفسير الاهتمام بالصين والهند واليابان، حتى يؤسس اليهود لهم قاعدة صداقة في هذه الدول. فالتبادل التقني بين إسرائيل وهذه الدول على أشده ويضغط اليهود على أمريكا لتقديم خدمات وتسهيلات ومعونات فنية لهذه الدول التي تدرك أن الفضل لإسرائيل. وتعزف وسائل الإعلام اليهودية المعروفة والمستترة في إسرائيل لأمريكا والصين والهند على هذا الوتر. ويدرك الموساد أن هذه الضربات الاستباقية الإعلامية ستعطي عائدها.
وعندما يخمد مد القضايا والموضوعات الساخنة، يؤلف اليهود ملفات قائمة على حقائق واهية انطلاقا من فكرة أن لا أحد من خصومها لديه الوقت للقراءة والتفنيد. وهنا يتحول إعلام الموساد إلى القضايا الداخلية للتأكيد على أسطورة الديمقراطية، فيبدأ الصراع الكلامي بين الأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية (وكلاهما صهيوني عتيد)، ويطول التراشق لشغل بال الضحايا من اليهود المغيبين الذين حملوهم إلى إسرائيل بالوعود الوردية وأحلام السعادة على أرض اللبن والعسل، وحتى يصدق هؤلاء المضللون أنهم حقا في دولة شرعية وليست أرضا مختطفة مآلها لأصحابها، وليتهم يدركون أن الصليبيين عاشوا 100 عام وعام في أرض العرب والمسلمين، وأسفر الصراع عن لفظ الأرض للدخلاء وعودة الصليبيين إلى بلادهم. كلمة أخيرة أقولها لزملائنا الإعلاميين - راقبوا وحللوا ما يصدر عن الإسرائيليين من حملات إعلامية حتى نحبط مساعيهم الشريرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي