الاستثمار في القمامة.. وعلاقته بالتنمية

إن الإسلام يدعو للعناية بالبيئة والنظافة، حيث قال النبي المصطفى محمد: ''إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق'', لكن يتصور البعض أن مصطلح النفايات هو مصطلح سلبي بينما العكس هو الصحيح, فالنفايات لها أهمية تجارية وصناعية خاصة أن الموارد الطبيعية في تناقص مستمر وأسعارها في ارتفاع متواصل وندعو هنا للاستفادة من النفايات بدلاً من التخلص منها, إن الحصول على الطاقة من النفايات هو هدف اقتصادي مهم, فضلاً عن التخفيض في حجم النفايات, حيث تراوح نسبة المواد القابلة للاحتراق في النفايات بين 70 و80 في المائة من وزنها, وتستخدم طاقة النفايات لأغراض التسخين وتوليد الكهرباء, كما هو متبع في الدول الاسكندنافية, لذلك يجب إدخال برامج الاستفادة هذه في خطط التنمية والعمل على استخلاصها كمصدر طبيعي للصناعات المنخفضة التكاليف, هذه الدعوة للاهتمام بالنفايات هي دعوة للحفاظ على الثروة في أدنى مستوياتها وتعني كثيرا فمن بذر فيها فقد يبذر في أشياء أخرى ثمينة, ونلاحظ أن أول ما اهتمت به الدول الكبرى الغنية هو موضوع النفايات, لقد اهتمت تلك الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بإعادة تصنيع المخلفات, وخصصت أماكن للنفايات المختلفة وسط شوارعها وصنفتها وأعطت كل واحد منها اسما فقالت هذه أماكن لنفايات الأوراق وهذه للعلب البلاستيكية, وتلك للزجاج وغير ذلك, إن إعادة تصنيع النفايات يعد الحل الأمثل للتخلص من النفايات بيئياً ويعود بالنفع الاقتصادي عند توافر رأس المال والتكنولوجيا والأيدي العاملة المدربة, كما يتطلب الاستثمار في تدوير النفايات استراتيجية شاملة تشترك فيها مؤسسات القطاعين العام والخاص ذات العلاقة بالنظافة العامة والنفايات والصحة العامة وحماية البيئة والأجهزة الاقتصادية المختصة, وذلك بهدف معالجة النفايات والاستفادة منها، أي أن الموضوع ليس اعتباطيا, بل يحتاج إلى إدارة وتنظيم, لقد عملت الدول المتقدمة على صيانة مدخرات بلدانها وتنمية اقتصادها وعودت مواطنيها على النظام والاستفادة من جزء من مصروفاتهم في المساهمة في رفع الاقتصاد الصناعي وحماية البيئة فهل نحذو حذوهم؟ استخدمت الدول المتقدمة أحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات استخدام المخلفات وإعادة تدويرها, وذلك من خلال الاستفادة من المخلفات المنزلية بتحويلها إلى سماد عضوي ذي جودة عالية, واستعملت عدة طرق لاسترجاع المواد المفيدة من النفايات الصلبة وإعادة الاستفادة منها كالفرز المغناطيسي والفرز الهوائي, وكذلك عزل النفايات, حسب مكوناتها لإعادة تصنيعها بعد كبسها, ويمكن الاستفادة من فضلات الشحوم في صناعة الصابون والشموع ومن قطع الأثاث المنزلي ذات الحجم الكبير في إعادة استخدامه ونقله من قبل شركات متخصصة, عملية إعادة تصنيع الورق مثلا من المخلفات ستوفر ثلث كمية الطاقة المستخدمة في تصنيع ورق جديد من الشجر, كما أننا بذلك سنوفر الشجر نفسه الذي يحافظ على توازن بيئتنا, إضافة إلى أن إعادة تصنيع الزجاج من مواد خام جديدة يوفر كمية من الطاقة كافية لإضاءة مصباح كهربائي بقوة 100 واط لمدة أربع ساعات, كما أن عبوات الألمنيوم الفارغة كعبوات المياه الغازية عند جمعها وصهرها مرة أخرى وضغطها لعمل شرائح معدنية تحول إلى عبوات جديدة, كذلك فإن عملية إعادة تصنيع عبوة معدنية واحدة مثل عبوات المياه الفارغة في تلوث الماء هي أقل بنسبة 97 في المائة وتلوث الهواء أقل بنسبة 95 في المائة مقارنة بعملية تصنيع العبوة نفسها من مواد خام جديدة, وأن عملية إعادة تصنيع الورق من المخلفات تقلل نسبة التلوث بنحو 74 في المائة بالنسبة لعملية تصنيع الورق من مواد خام أي من لباب الشجر, فعملية التوفير من وراء تلك المبادئ وتطبيقها في الاستثمار الصناعي هي حقيقية وواردة وليست تحصيل حاصل أو مبالغا فيها, ولكن تحتاج إلى وعي اجتماعي منظم حتى لا نلوم الآخرين على تصرفاتهم وسلوكياتهم الخاطئة عند إلقائهم القوارير والأوراق وبقايا الأطعمة في ساحة المدرسة أو في الشوارع، والمناهج الدراسية يجب أن تولي اهتماما أكبر بإدراج عمليات إعادة التصنيع Recycling ضمن مناهج العلوم وغيرها من المواد مع الحاجة إلى التطبيق الميداني حتى لا نسهم في عرقلة حماية البيئة أو نقف دون وعي في وجه مفهوم الدعم الاقتصادي الوطني, لأن من فوائد تدوير النفايات, إضافة إلى الحفاظ على البيئة من التلوث, تخفيض ميزانية عقود النظافة وخلق فرص استثمارية بسبب توافر المواد الخام وإحلال بعض المنتجات البديلة كإحلال منتجات البلاستك بدل منتجات الخشب مثلاً, كما أن استخدام أكواب البلاستيك يمكن الاستفادة منها في عمل نماذج مختلفة لتحف جميلة ورش موادها بالطلاء الخفيف يمكن من استخدامها في صناديق للأقلام والحصالات وأغلفة للكتيبات, وهناك أفكار عديدة ومختلفة ولكن لا بد من توعية الطلبة على وجه الخصوص بأهمية التجميع لتلك المواد التي قد تنتج معارض رفيعة المستوى بدلا من تحويلها إلى مجرد نفايات, إن عملية تدوير القمامة كأي عملية تصنيع أخرى ستواجه كثيرا من المشكلات وستفضل استخدام المواد الخام على المسترجعة, أو أن يتم إعادة استعمال النفايات دون الأخذ في الحسبان تأثيراتها الصحية, على أن فصل مواد النفايات من مصدرها له فوائد أهمها أن المواد تبقى نظيفة وغير مختلطة وهو أمر يتطلب تعاون المواطنين أو السكان‏ ومن المواد التي يمكن فصلها من المصدر: الورق والعبوات الزجاجية والمطاط, وتتم عملية الفصل عادة في مصنع فرز النفايات، حيث يتم فيه فرز النفايات المخلوطة قبل إرسال كل مادة مفروزة إلى مصانع الإنتاج بالنسبة للزجاج والورق والألمنيوم أو إلى مصانع التدوير بالنسبة للسماد العضوي, وطبعا أهم النفايات التي تقع عليها أعيننا بشكل يومي هي النفايات المنزلية ويتم جمعها من المصدر أو نقلها إلى مواقع جمع النفايات المنزلية, حيث إن التدوير هو بمثابة عدة عمليات مترابطة‏ بعضها بعضا تبدأ بتجميع المواد التي في الإمكان تدويرها ومن ثم فرزها حسب أنواعها لتصبح مواد خام صالحة للتصنيع, ويتم تحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام, وحيث تشكل النفايات الصلبة مشكلة بيئية قائمة بذاتها لأنها تؤدي إلى تلوث البيئة إذا لم يتم إعادة تدويرها والاستفادة منها بدلاً من رميها بشكل عشوائي كما يحصل في ثنايا بيئتنا, حيث ترمى القمامة على جوانب الطرق أو أن تنقل إلى مكب عام للقمامة ليتم تجميعها ومن ثم طمرها دون معالجة, ولقد لجأت بعض الدول إلى استخدام أساليب تقنية حديثة للاستفادة من النفايات الصلبة, وأهم النفايات القابلة للتدوير هي: الحديد والألمنيوم والورق والزجاج والبلاستيك والخشب والنفايات العضوية كنفايات الطعام, وأود أن أؤكد أن إعادة التصنيع هذه هي سياسة اقتصادية جيدة لتنمية اقتصاد البلد وفيه توفير للمال والمواد الخام، وهي جميعا ليست مسلكيات عفوية, بل تحتاج إلى تعلم وطرق تربوية يجب أن تغرس في نفوس الناشئة منذ الصغر وتعودهم على تخصيص صناديق للأوراق والكتب والمعلبات البلاستيكية, وفي الختام, فإن موضوع الاستثمار في القمامة ليس استخفافا أو مضيعة للوقت, لكنه يعطينا درسا كبيرا ويعلمنا أن الحفاظ على ثروتنا الوطنية يبدأ من أبسط الأمور وهي التي تبدو لنا بسيطة وتافهة, بينما هي من صلب العمليات التي تؤثر في الاقتصاد الوطني وفي نظافة البيئة والمجتمع وتخلصه من الأوبئة والأمراض المختلفة التي هي على غرار مرض إنفلونزا الخنازير الذي يجتاح مجتمعاتنا في الوقت الحاضر, كما يجعلنا نحترم الرجل الذي ينظف ويكنس الشارع, وإذا ما أجدنا الاستثمار في القمامة سنجيد الاستثمار حتى في الذهب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي