فزعة .. قبلية .. مناطقية .. بيع وشراء أصوات وغياب تام للثقافة الانتخابية
فزعة .. قبلية .. مناطقية .. بيع وشراء أصوات وغياب تام للثقافة الانتخابية
أظهرت انتخابات الدورة العشرين لعضوية مجلس إدارة غرفة جدة التي اختتمت البارحة الأولى بعد خمسة أيام من الشد والتوتر، غياباً واضحاً لمفهوم الثقافة الانتخابية لدى المرشحين من رجال وسيدات الأعمال في جدة، إضافة إلى الناخبين من الجنسين, وهو الأمر الذي حذر منه عدة خبراء قبيل إجراء عملية الاقتراع مؤكدين أن عملية الانتخاب لا تزال جديدة على المجتمع السعودي ويحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تترسخ بشكل أكبر في عقول الناس.
ووضعت تصرفات معظم المرشحين من خلال اعتمادهم على «الفزعة» والعنصرية القبلية والمناطقية بين الناخبين علامات استفهام عديدة، وتساءل رجال أعمال حول دور الغرف التجارية السعودية في أهمية نشر الثقافة الانتخابية بين منسوبيها في المرحلة الأولى ومن ثم مجتمع الأعمال بشكل عام، وذهب البعض إلى اتهام الغرف التجارية في المملكة بالتقصير في هذا الشأن وتركيزها على أمور هامشية وتحقيق مصالح شخصية صرفة على حساب المصلحة العامة.
وألقت ظاهرة البيع والشراء في الأصوات التي انتشرت بشكل واضح للعيان بظلالها على سير العملية الانتخابية برمتها، حيث تفرغ العديد من المرشحين لمراقبة عمليات البيع والشراء وعقد الصفقات مع الناخبين ومحاولة التأثير فيهم عبر تقديم العروض المغرية والخدمات التجارية المختلفة، في ظل غياب لتدخل الجهات الرقابية والمسؤولة وأبرزها وزارة التجارة والصناعة ومنسوبو الغرفة التجارية أنفسهم.
ويشير متابعون إلى أن عمليات العنف التي نجمت عن ظاهرة شراء الأصوات وحالات الضرب والتكسير التي رافقتها تعد ظاهرة خطيرة يجب الوقوف عندها ودراستها بعناية من قبل المسؤولين على الغرف السعودية وأهمية الاستعداد بحلول وقرارات حازمة تقتلع هذه الظاهرة من قطاع الأعمال السعودي قبل استفحالها بشكل أكبر وربما تطور عمليات العنف التي تصاحبها.
#2#
ويوضح لـ «الاقتصادية» نجيب العيسى (رجل أعمال) أن الطموح وتسويق النفس أبرز العوامل التي تدفع معظم رجال وسيدات الأعمال يقدمون على الترشح لعضوية مجلس إدارة الغرف التجارية، وتابع «ليس عيباً أن يطمح رجل الأعمال إلى خدمة قطاع الأعمال على أرض الواقع لأن إنجازاته تعد تسويقاً لنفسه وهو أمر مشروع دون شك».
وعن التصويت ومدى القناعة لدى الناخبين، كشف العيسى عن وجود صنفين من الناخبين بقوله «هناك من يقترع عن قناعة لأنه يؤمن بتطوير الغرفة ودورها في خدمة قطاع الأعمال، وهناك فئة أخرى وهي الغالبية تنظر للأمر من باب العلاقات والصداقة والمجاملات التي تلعب دوراً في التصويت النهائي للناخبين، لا أعتقد أن الناخب لديه دراية كافية بأهمية دور الغرف التجارية، معظمهم مؤسسات بسيطة وصغيرة, وهناك تقصير من جانب الغرفة نفسها في زرع ثقافة الانتخاب لدى هؤلاء ومحاولة توعيتهم باستمرار، عن طريق الدورات، والمنشورات التثقيفية لأهمية المشاركة في الانتخابات».
#3#
في هذه الغضون، أكد الدكتور صدقة فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبد العزيز وعضو مجلس الشورى السابق أن «البرستيج» أو الوجاهة الاجتماعية تسيطر على الكثير من رجال الأعمال «المغمورين» وتدفعهم باتجاه ترشيح أنفسهم لعضوية مجالس الغرف التجارية، وأضاف «التاجر قد يكون مغموراً وغير معروف وعندما يرشح نفسه وينتخب يصبح بين ليلة وضحاها شخصاً معروفاً، والكثير من رجال الأعمال يرغبون في الشهرة والوجاهة لأسباب قد تساعدهم في قضاء مصالحهم بشكل أفضل، كما أن الشخص يؤمن في قراره نفسه بأنه إذا وصل سيقدم خدمة أفضل من الموجود سواء أحدث تغييراً بالفعل أم لم يفعل».
وعن مدى الثقافة الانتخابية ومدى تأثيرها في عملية الاقتراع أشار الدكتور صدقة بأن الناخب يتحمل مسؤولية قراره، مبيناً أن إساءة الاختيار قد تكون ناجمة عن توجه مذهبي، عقائدي، مصلحي، أو عنصري لكن في النهاية الذي يعاقب على هذه الإساءة هو الناخب، ولذلك يقال الانتخاب هو طريقة لتصحيح الأخطاء.
وأردف أستاذ العلوم السياسية «أعتقد أن انتخابات الغرف التجارية لدينا أخذت حيزاً إعلامياً أكبر من حجمها، ربما لقلة عقد انتخابات في المجتمع فلا يكاد يحدث انتخاب ما حتى تتركز عليه الأنظار ويهتم به الإعلام بشكل مبالغ فيه أحياناً، وهي ظاهرة صحية، لأن الاهتمام بها فيه بعض التوعية ولفت نظر المجتمع لهذه الوسيلة».
#4#
فيما وصف الدكتور خالد البسام أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز العملية الانتخابية برمتها بـ «جعجعة في فنجان» مطالباً المرشحين لعضوية مجلس إدارة الغرفة التجارية إحداث تغيير جذري في القطاع الخاص الذي لا يزال قطاعا «طفيليا» يعتمد على الإنفاق الحكومي، وتابع «لا تزال أنشطة القطاع الخاص لا تتعدى التجارة والعقارات، وهناك إهمال كبير للقطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى، ينبغي تطوير وتنويع أداء القطاع الخاص».
#5#
من جهته، يرى الدكتور فيصل العقيل (رجل أعمال) بأن الانتخاب لا يزال يدار بعقلية «الفزعة» والمصالح على حساب الكفاءة والإنجاز، ملقياً باللوم على الغرفة التجارية في تقصيرها في تثقيف الناخبين بأهمية الانتخابات واختيار الشخص الأنسب لخدمة قطاع الأعمال، وقال «هناك تقصير من جانب الغرفة لشرح دورها وأهدافها وعدم تقديم برامج توعوية في هذا الشأن، كثيرون يعتقدون أن الغرفة التجارية فرع من فروع وزارة التجارة تصدق على الأوراق فقط، خلافاً لواقع الغرفة الأساسي في حل المشكلات الاقتصادية ومجتمع الأعمال بالتنسيق مع الجهات الحكومية التي تحمل دوراً سياسيا، اقتصادياً، اجتماعياً».
وفي الناحية الأخرى، رأى رجال أعمال ومختصون أن النظام الجديد الذي أقرته وزارة التجارة والصناعة والقاضي بالتصويت الفردي لمرشح واحد (تاجر أو صانع) كانت له نتائج إيجابية على سير العملية الانتخابية في الغرف التجارية لاسيما أنه يطبق للمرة الأولى في غرفة جدة، متوقعين أن يتم تعميمه على بقية الغرف التجارية السعودية.
وأشار الاقتصاديون إلى أن القرار الجديد ساهم في القضاء بشكل كبير على التكتلات الانتخابية التي كانت سائدة من قبل، وأجبر العديد من المرشحين على حشد أكبر عدد من الأصوات والمؤيدين اعتماداً على أنفسهم وليس على الكتلة كما كان يحدث في السابق، وأوجد النظام الجديد نوعاً من العدل والتوازن في التصويت خصوصاً لصغار المرشحين كما يطلق عليهم.