(كاوست).. حلم ملك يتحقق

بتدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، الذي تزامن مع احتفال المملكة بذكرى يومها الوطني الـ 79، يكون قد حقق بذلك الملك حلما وهاجسا ظل يراوده لأكثر من 25 عاماً، بأن تستعيد الحضارة الإسلامية تاريخها ودورها العظيم في خدمة الحضارة الإنسانية، انطلاقا من أرض المملكة العربية السعودية.
رؤية ومهمة (كاوست)، جاءت لتترجم حلم الملك وتجسده إلى حقيقة على أرض الواقع، بأن تصبح الجامعة مركزاً بحثياً دولياً ذا شهرة عالمية، يقدم مساهمات ملموسة على المستويين المحلي والدولي، في التقدم العلمي والتقني، ويلعب دوراً مهما في تطور المملكة العربية السعودية والعالم، من خلال القيام بإجراء البحوث الجريئة والمساهمة في البحوث التعاونية، والإسهام في توعية القادة في مجال العلوم والتقنية، والمساعدة على تنويع الاقتصاد السعودي، والتصدي للتحديات ذات الأهمية الإقليمية والعالمية، بما فيه صالح المملكة والمنطقة والعالم.
دعماً لخطة أبحاث (كاوست) وتوجهاتها، المرتبطة بتطوير وتقوية وتنويع قدراتها البحثية في حرمها الجامعي، قد حددت الجامعة أربعة محاور أبحاث استراتيجية وأساسية، لتشمل (1) الموارد، والطاقة والبيئة. (2) علم وهندسة المواد. (3) العلوم الحيوية والهندسة الحيوية. (4) الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية، كما قد أسست (كاوست) مبدئياً تسعة مراكز أبحاث لدعم مرحلة التشغيل الأولي، تضم مختلف التخصصات، وتطبق العلم والتقنية على المشكلات، التي تتصل باحتياجات البشر والتقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
يشار إلى أن (كاوست)، ستمنح درجات علمية في الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) فقط، وأن خطط الأبحاث هي أساس برامجها التعليمية على مستوى درجتي الماجستير والدكتوراه، وتمنح هاتين الدرجتين في عدد من المجالات الدراسية التي من بينها: علوم وهندسة الأرض، الهندسة الكهربائية، العلوم والهندسة البيئية، علوم وهندسة المواد، الهندسة الميكانيكية، الرياضيات التطبيقية وعلوم الحاسوب، العلوم البيولوجية، الهندسة الكيميائية والبيولوجية، هذا وقد صممت البرامج والمقررات التعليمية، التي تقدمها الجامعة، بأسلوب يجعلها قادرة على تحقيقها للأهداف، التي أنشئت من أجلها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، التحفيز على الإبداع والابتكار، من خلال العمل على خلق واستحداث بيئة محفزة للبحث العلمي، والعمل على استقطاب العلماء المتميزين على المستويين المحلي والعالمي، ورعاية الطلاب المبدعين والموهوبين في مجالات الصناعات والتقنيات القائمة على المعرفة، وفي مجال التنمية الاقتصادية المستدامة، بما في ذلك مجالات الاقتصاد المعرفي، هذا كما قد صممت البرامج والمقررات التعليمية، لتكون منافسة دولياً، بحيث يكفل لها القبول عالمياً ويضعها على قدم المساواة مع برامج الدرجات العلمية، التي تمنحها أشهر الجامعات المرموقة على مستوى العالم لطلابها.
بغرض تمكين (كاوست) من تحقيقها لأهدافها التعليمية والبحثية، وفقما هو مخطط لها مسبقاً، فقد تم تصميم هيكلها الأكاديمي والتنظيمي والإداري، بأسلوب يكفل لها حرية الحركة الإدارية والتعليمية والبحثية، في بيئة خالية تماماً من المعوقات المؤسساتية والبيروقراطية، ومن هذا المنطلق، فقد صمم الحرم الجامعي لـ (كاوست) بشكل يتبنى فلسفة أكاديمية حرة، تشجع على خلق علاقات الزمالة، التي تؤدي إلى الابتكار والإبداع، مما سيجعل الجامعة كمعهد أبحاث بيئة محفزة على التواصل الفكري وتبادل المعرفة وتطوير معارف جديدة.
لعل من بين أبرز الميزات، التي تتمتع بها (كاوست) دون غيرها من الجامعات المماثلة على مستوى العالم، استخدامها في إنجازها لأعمالها البحثية ولبرامجها التعليمية، لنظام ''شاهين''، الذي يعتبر من أقوى نظم الحوسبة الفائقة السرعة على مستوى العالم، والذي قد تم نقله منذ فترة قريبة إلى مقره الدائم داخل مركز البيانات في الحرم الجامعي في ثول، علماً أن هذا النظام هو مشروع بحث مشترك بين (كاوست) وبين شركة آي بي إم الأمريكية. كما تتميز الجامعة باحتوائها على مكتبة علمية وبحثية، تحتوي على أكثر من 15 ألف مطبوعة رقمية، و1200 مجلة علمية إلكترونية متخصصة، ومركز معلومات متطور يتسع لـ 400 مقعد، وأرفف تستوعب لنحو نصف مليون مجلد مطبوع، هذا كله بهدف مساعدة روادها من الطلاب والباحثين، بما في ذلك أعضاء هيئة التدريس بالجامعة للحصول على المعلومة البحثية المطلوبة، والتعامل معها بالسرعة المنشودة التي تخدم أهداف البحث العلمي.
إن المأمول والمنشود من (كاوست)، أن تنشر ثقافتها الأكاديمية وأسلوبها الإداري والتنظيمي، إلى بقية الجامعات السعودية لكي نتفادى الهوة المحتمل حدوثها بين (كاوست) وبين بقية جامعتنا، وبالذات بين الخريجين، لاسيما حين النظر إلى الدروس المستفادة بالنسبة لبقية جامعاتنا من إنشاء مثل هذه الجامعة، والتي أثارها الدكتور مشاري النعيم في مقال نشر له في جريدة ''الرياض'' العدد 15069 بعنوان ''جامعة الملك عبدالله: الدروس المستفادة''، التي من بينها ضرورة الحرص على اختيار الأستاذ الجامعي، والذي حرصت على اختياره (كاوست)، وهو حرص شبه مفقود في الجامعات الأخرى، حيث امتلأت بعض الجامعات بمستويات منخفضة، حتى أن الأستاذ السعودي نفسه قد انخفض مستواه بشكل حاد نتيجة لعدم مطالبة الجامعة له بالتميز، ومن بين الدروس المستفادة كذلك، الدعوة إلى إيقاف لجان ''الاستقطاب'' في الجامعات التي يمارس فيها بعض من يرون أنهم يفهمون في كل شيء، وبالذات فيما يتعلق باختيار أعضاء هيئة التدريس من التخصصات كافة، وأخيراً من بين الدروس المستفادة، الدعوة للمرة الألف بعودة انتخابات رؤساء الأقسام وعمداء الكليات، وهذا هو أضعف الإيمان.
نخلص إلى القول، إن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، تعد إنجاز العصر ليس بالنسبة للمملكة العربية السعودية فحسب، بل حتى بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي، بما في ذلك الدولي، لكونها تعد مركزاً علميا وتعليمياً وبحثياً حضارياً، سيخدم بأبحاثه العلمية البشرية والإنسانية في كل مكان من العالم، فهي وكما أرد لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله، أن تكون واحدة من مؤسسات العالم الكبرى للبحوث، وأن تعلم أجيال المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين وتدريبهم، وأن تعزز المشاركة والتعاون مع غيرها من جامعات البحوث الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص على أساس الجدارة والتميز.
إن المأمول والمرجو من (كاوست)، وكما أسلفت أن تنشر ثقافتها الأكاديمية والتنظيمية والإدارية، إلى بقية جامعاتنا، لننعم ببيئة جامعية سعودية على قدم المساواة مع حيث قوة البرامج البحثية والدرجات العلمية التي تمنح للطلاب، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي