شفافية هيئة سوق المال المتناقصة!
على الرغم من اعتقادي أنه ليس من العدل مع هيئة سوق المال القفز على مجموعة عوامل أساسية عند تحليل كفاءة أداء عملها، من أهمها، أن هيئة سوق المال تقوم بترتيب غرفة مبعثرة الأثاث، غرفة مهملة لسنوات، وبالتالي مهما بلغ حجم إنجازاتها، لا يمكن أن تعجبنا إلا بعد اكتمال ترتيب جميع محتويات الغرفة بشكل أنيق، على الرغم من هذا أعتقد أن الهيئة في حاجة إلى مراجعة ضرورية وملحة في كيفية تعاطيها مع سوق الأسهم السعودي. أخص بهذا التعامل، رفع مستوى الموثوقية بمنتهى الشفافية.
هذا المبدأ، السنة الحسنة، يفترض أن الهيئة معنية بالقيام على إحيائها، وتجذيرها في بيئتنا الاستثمارية، بيئتنا المتنمطة على عجلة التكتم، والصلح خير، والستر زين في كل شيء، حتى مع المجرمين الذين نستخدم الرموز لأسمائهم في احترام معكوس. للأسف الشديد، الهيئة بدأت في أوائل أيامها بدرجة مرتفعة من الشفافية ولكنها خبت أضواءها لاحقا. لا أدري هل هو يأس، أم هو حماس خفت جذوته، أم هو الواقع المرير! لكني أعرف أن القائمين على الهيئة من المشهود لهم بعلو الكعب في المهنية، ولهذا، أستغرب، أن يستمروا في أداء أعمالهم وهم يلحظون ارتفاع وتيرة الهمس المتعلق بشفافية عملها، حتى أصبح صراخا.
أمثلة متعددة تبرهن على تناقص تفعيل مبدأ الشفافية في حياة الهيئة، وأشهر الأمثلة هو مسلسلات الانهيارات المتعاقبة التي مرت بها سوق الأسهم، فعقب كل انهيار نسمع كثيرا عن العقاب وعن المحاسبة، ولكن لم نر شيئا إلا شذرات لا تشبع ولا تروي. وفي خضم تلك الانهيارات، تحدث بعض الحالات العجيبة التي لا تحدث إلا لدينا ودون أن يعلن عن شيء. خذوا على سبيل المثال، الارتفاع الصاروخي لأسهم بعض الشركات والانهيار المدوي الذي تلاه لتلك الأسهم. رغم صادق الأمنيات لمستثمريها ومضاربيها بأرباح مباركة، إلا أن السؤال يبقى موجها للهيئة، كيف أوقفت سهم شركة الكهرباء ذات يوم لمجرد ارتفاع يومين أو ثلاثة، ومع هذا بقيت متفرجة على أسهم عدة وصلت في ارتفاعها المستمر، لنسبة وصلت أكثر من 100 في المائة من أسعارها في ظرف أيام قلائل، ثم مسلسل نزول مرعب غير متوقف أحرق الأخضر واليابس، ودون أن يرف للهيئة جفن. وإن رف لها جفن، فلم يعلم عنه أحد، وهذا مخالف لأبجديات الشفافية التي بحت الأصوات مطالبة بها. هي مصيبة إن كانت لم تستفسر عن سبب هذا الارتفاع، ومصيبة أشد، إن كانت استفسرت ومع هذا بقيت صامتة. أو خذوا مثالا أكثر صراخا وهو طرح أسهم شركة غارقة في الخسائر بشكل متوال وبشكل سيؤدي بها إلى الخروج من التداول قسرا وبقوة النظام ومع هذا سمحت لها الهيئة بزيادة في رأسمالها وفوقها ''حلاوة'' اكتتاب بلغت 25 في المائة. لا أحد يشكك في نوايا الهيئة، ولكن المنطق والعقل يقولا شيئا آخر، على الأقل ظاهريا، فلا الشركة تستثمر في قطاع حيوي وجوهري يمكن أن يتسامح معها فيما لا يتسامح مع غيرها لأجل نوعية استثماراتها ولا الأرقام المالية البسيطة التي نفهمها تخول تلك الشركة الاستمرار في سوق الأسهم، ولا الجو العام يسمح بمزيد من شركات المضاربات؛ عقلا وذوقا لم يكن من المناسب على الإطلاق القبول بذلك الطرح ومع هذا، تم دون تبرير. الناس لا ترحم، ورغم أن رضاءهم غاية لا تدرك، إلا أن رضا جزء كبير منهم ممكن، وهذا لا يمكن إلا بمزيد من الشفافية، التي ليس لها حس عال في أروقة الهيئة، عدا الإعلان عن أيام الإجازات! الناس تتحدث، ورسائل الجوال منهمرة، والشائعات تتعملق في جو السرية، وإن كانت الهيئة غير معنية بدحض الشائعات التي تلاحقها وتلاحق طبيعة عملها، فمن هو المسؤول يا ترى؟ الشفافية صعبة، وليست عسلا رقراقا، بل عسرة الطعم، وقد يكون من توجهات الهيئة أن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، ولكن باعتقادي القضية قضية مبدأ، لا يمكن المساومة فيه، بل أعتقد أن الشفافية حجر الزاوية في بناء ثقة جوهرية في عمل الهيئة الأساسي ودونها لا يمكن إنجاز أي شيء ذي قيمة. الخيار للهيئة ومن يملك زمام الأمور فيها فإما انضباطية واستمرارا في أداء متزن لا تبعثره المطبات الهوائية، وإما انفلاتا وضبابية تجعلها من الصعب جدا – إن لم يكن مستحيلا - التنبؤ بماذا يمكن أن تفعل.