ثقافة أحذية أم ثقافة أقدام؟
بمناسبة إطلاق سراح منتظر الزيدي راشق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالحذاء, أعتقد أن مقالي هذا سيحمل معلومات مختلفة عما أشبعه الكتاب نقاشا في بداية القضية, قال تعالى: «واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب, اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب» – سورة «ص - 42, ذكر الله تعالى عن أيوب عليه السلام ما كان قد أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيئا كثيرا وأولاد كثيرون وأرض مدحية ومنازل مرضية, ثم ابتلي بالجذام في سائر بدنه ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل, فهل يتعظ مَن خسر في الأزمة المالية العالمية بأيوب ويصبر كما صبر حتى تكون خاتمته حميدة؟ أيوب الذي عافه الجليس وأفرد في ناحية من البلد ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ مأواه, وذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب», وذات مرة أخرى عندما استبطأته زوجته والتفتت تنظر فأقبل عليها وقد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: بارك الله فيك, هل رأيت نبي الله هذا المبتلى فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك, وقيل: إنها لما اشترت القوت بذوائبها جاءه إبليس في صفة رجل وقال له: إن أهلك بغت فأخذت وحلق شعرها فحلف أيوب أن يجلدها فكانت المحنة على قلب المرأة أشد من المحنة على قلب أيوب, وهكذا تعج محاكمنا مع الأسف بمطالبات سطحية وعلى أتفه الأسباب في مجتمعنا الإسلامي دون اتعاظ بسير الأنبياء. وفي الخبر أن الله بعث إلى أيوب جبريل حين ركض برجله على الأرض ركضة فظهرت عين ماء وأخذ بيده ونفضه نفضة فتناثرت عنه الديدان وغاص في الماء غوصة فنبت لحمه وعاد.
لفتة أخرى وهي أن القدم لها أهمية كبيرة عند الأطباء ويقولون إن كل فقرة أسفل القدم لها علاقة بمجمل الأمراض التي تنتاب الجسد, كأمراض القلب والمعدة والرأس وغيرها من الأعضاء أو ما يسمى حاليا بعلم REFLEXOLOGY, وأكاد أجزم بأن تفكير العقل مصدره القدم, أي أن القدم السليمة تعني عقلا سليما, لذلك جاء أمر الله للنبي أيوب بأن يركض برجله, وقد يقول جاهل الكل يركض برجله وليس بيده, لكن الله أراد بهذا المعنى «أركض برجلك» أي اركض حافيا حتى يتحقق لك الشفاء عبر تدليك الأرض لأسفل قدميك, ثقافة الحذاء ذا علاقة وطيدة بالقدم بلا شك على أن أسفل الحذاء وأسفل القدم يشكلان في ثقافتنا قمة القذارة والاحتقار، وبالتالي من المعيب والمهين توجيهه لأي شخص, وحتى سنوات قليلة مضت كان من المعتاد أن تخلع الفتاة حذاءها وتوجه أسفله نحو من يضايقها من الشباب, وقد تستعمله كقذيفة تشبه تلك التي أطلقها منتظر الزيدي ضد الرئيس السابق جورج بوش, على أن النظرة الأمريكية والعالمية لأسفل القدم ليست على هذا النحو بأي حال من الأحوال, وبقدر ما أشدت كغيري في لحظة عاطفية بحادثة حذاء عادي استعمله منتظر الزيدي في رشقة فريدة كانت اختصاراً مبدعاً اختزل ببراعة كل ما استحقه بوش وإدارته وسياساته، بقدر ما تألمت حسرة على هذه الأمة التي صار فيها الحذاء يرفع فوق الرؤوس ويتحوّل منتعله إلى حدث طال انتظاره, فكيف صار بالنسبة لعرب اليوم تعبيرا عن كرامة مفقودة? ?ومقدمة نضالية تعيد الكرامة والعزة والعدل لقوم فقدوا أنفسهم مذ كانوا ولم يتعظوا بأنبيائهم الذين هم على غرار النبي أيوب وصبره الفذ، فبعد أن أصبح الزيدي بطلا قوميا بسبب حذاء أصبحت الصحافية السودانية لبنى الحسين نجمة بسبب بنطلون, والدور القادم على القميص حتى نصل إلى القبعة أو أعلى الرأس, ألم أقل لكم إن هناك علاقة بين الرأس والقدم؟