التفاعل مع المرضى .. الإحساس لا يكفي!
إلى أي مدى قد يدفعك إحساسك بالتعاطف مع مريض أو الإحساس بآلامه إلى أن تقوم بفعل شيء مع من تتعاطف مع حالتهم أو ألمهم؟ إلى أي مدى قد تتعدى مسألة الدعاء بأن يزيل الله محنتهم ويشفي علتهم, وأن يلطف بهم, ويزيل آلامهم, إلى مرحلة أن تتحمل من أجلهم المتاعب كي تواجه سبب مرضهم ومصدر أتعابهم بعمل ما يمكنك فعله؟ كثير منا يكتفي بمجرد الدعاء والتعاطف مع من أصابتهم محنة كبيرة, إلا أن القليل منا تكون له الإرادة في عمل شيء ما, حتى إن تساوت درجة إحساسنا وتعاطفنا مع من أُبتلي بمرض قل من يشفى منه. وهنا نختلف في مواقفنا نحو الآخرين ونحو المرض نفسه وما يمكن عمله لمكافحته والتغلب عليه!
القصة تعود إلى إحدى الموظفات في جامعة مانشستر التي أصيبت أخيرا بالمرض الخبيث - والعياذ بالله, كان خبر تشخيصها بهذا المرض بمثابة الصدمة لعديدين في الكلية, خاصة أن لها ولدا لم يتعد السنوات الأربع. أحس الكل بالحزن والألم لما تعانيه ولما ينتظر أسرتها من المصاعب والتحديات, كيف وهي التي لها احترام كبير ولها مدة ليست بالقصيرة تعمل في الجامعة.
في أحد الأيام التي تلت السماع بهذا الخبر السيئ, دار الحديث مع بعض الزملاء عن هذه الموظفة وعن مدى مهارتها في أداء عملها وحسن أخلاقها مع كل من يتفاعل معها. كان من بيننا أستاذ محاضر من أمريكا وله ما يقارب السنوات الأربع في العمل في الجامعة. اقترح علينا آندرو (الأمريكي) أن نقوم بعمل شيء لمواجهة المرض وفي الوقت ذاته يرفع من معنوياتها لتمكينها من محاربة مرضها بروح عالية. اقترح تنظيم رحلة بالدراجات حول أكبر محمية وطنية في بريطانيا وهي منطقة شاسعة جداً تحتاج إلى عدة أيام للدوران حولها. إلا أن آندرو لم يجد منا سوى الإطراء والتشجيع, فلم يوافق أحد على مرافقته في هذه الرحلة. حاول مرات عديدة كي يجد مرافقا واحدا من الكلية وكان يقول يا أصدقائي "الإحساس لا يكفي'' وإنه يجب عمل شيء ما. بعد أن يئس من زملائه – مع الأسف - ذهب إلى المستشفى الذي تراجعه زميلتنا المريضة واقترح أن يذهب ريع رحلته لوحدة السرطان في المستشفى. حدد آندرو الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري كموعد لانطلاق رحلته وأعلن عن رحلته وبدأت التبرعات ترسل إلى المستشفى وقدر آندروا, حتى الآن, على جذب ما يقارب سبعة آلاف جنيه (حوالي 40 ألف ريال). من الجميل أن آندرو لن يكون وحيداً في هذه الرحلة فقد تبرع أناس عدة من مرافقيه في أجزاء مختلفة من رحلته ومنهم عضو البرلمان البريطاني في جنوب مانشستر الذي سيبدأ مع آندرو لمسافة خمسة أميال لكي يجذب مزيدا من التغطية الإعلامية, التي بدورها سترفع من مقدار التبرعات.
في مجتمعنا وعلى كثرة الأمراض وتفشيها بشكل لا يصدق وعلى ازدياد حوادث المرور إلى نسب لم يعد بإمكاننا الصمت حيالها, لا يزال مجتمعنا مكتفياً بالإحساس نحو المصابين, لا يزال يكتفي بالدعاء, لا يزال دون ثقافة أن يفعل شيئا حيال هذا التفشي المخيف في أمراض السرطان وحيال هذه الأعداد الهائلة من الأرواح التي تذهب كل يوم في كل مدينة من مملكتنا! متى سنتعدى مجرد الإحساس بالغير إلى مواجهة الأمراض والحوادث والوقوف الحقيقي بجانبهم وبجانب مستقبلنا؟ متى سنعمل شيئا غير رسمي, من المواطن للمواطن بما يزيل همه ويفرج كربه؟ وصلنا إلى درجة أن "الإحساس لا يكفي"! إلى مرحلة ألا نعتمد على الحكومة في مواجهة كل مشكلاتنا, فكثير من هذه المشكلات يمكن للمجتمع مواجهتها دون تدخل رسمي حكومي! يجب توسيع مفهوم العمل الخيري من مجرد الإحساس والدعاء والتبرع النقدي إلى عمل شيء أكثر روعة وأكثر تأثيراً في تحقيق تغيير حقيقي ملموس من المريض والمصاب وله أثر كبير في روحنا التعاونية كمجتمع يشد بعضه بعضا.