ضرورة تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة عامة

موضوع الساعة تحويل الشركات العائلية والفردية إلى شركات مساهمة عامة, والمسألة ليست (موضة) أو (بريستيجا) اقتصاديا جديدا, لأن الشركات العائلية ليست بالمطلق عبئاً على الاقتصاد, لكنها أمام فرصة تطور وتحول إلى شركات مساهمة ضمن أسس اقتصادية وفنية ومالية تحددها بيوت خبرة اقتصادية, والأمر ليس اعتباطياً .‏
(وعقدة المنشار) في التقييم استعداداً إلى التحول, الأمر الذي اعتبره بعض المتخصصين سلاحاً خطيراً قد تستخدمه هذه الشركات لجني الأرباح على حساب صغار المساهمين, مع الإشارة إلى أن حاجة سوق المال ليست في هذا الإطار وغير متوقفة على ذلك.‏
إن الشركات العائلية تمثل العصب الرئيس لاستثمارات وأعمال القطاع الخاص في العالم, فهي تمتص أعداداً كبيرة من العمالة وتمد السوق بكميات كبيرة من المنتجات وتستوعب قدراً كبيراً من الادخارات الوطنية.
رغم ما سبق فإن هناك عديدا من التحديات ستجعل الشركات العائلية في مواجهة أخطار الانهيار إذا لم تلائم نفسها مع متطلبات الظروف, ومن أهمها التحديات الداخلية المتمثلة في مشكلة انتقال الرئاسة بعد وفاة المؤسسين وما يرافقها من تقسيم التركة, وتغير نمط الملكية العائلية والصراع على السلطة والإدارة, ومن التحديات تعاقب الأجيال حيث لا يزيد عدد الشركات العائلية التي تنتقل إلى الجيل الثاني على 30 في المائة, إضافة إلى أن متوسط العمر الزمني للشركة العائلية لا يزيد على 25 في المائة في أحسن الأحوال, وتتصف أيضاً الشركة العائلية بضعف التخطيط الاستراتيجي وعدم فصل الملكية عن الإدارة وغياب البناء المؤسسي في توجيه العمل الإداري وقيادته.‏
وعلى المستوى الدولي تعاني الشركات العائلية تحديات عصر العولمة وفق منطق نظام اقتصادي عالمي جديد تزول من خلاله صور الحماية والدعم والاحتكار كافة ويتم الانتقال إلى الأسواق المفتوحة وظهور المنافسة الشرسة وثورة المعلومات والاتصالات والتكتلات الاقتصادية الدولية والتغيير والتحديث والتجديد والسرعة والشفافية والاستثمارات الأجنبية . ولن يكون خيار التحول إلى شركات مساهمة الخيار الوحيد أمام الشركات العائلية, بل أمامها إعادة هيكلة الشركة والاندماج مع الشركات المحلية والتحالفات الاستراتيجية .‏
لكن التحول إلى شركات مساهمة عامة من أهم الخيارات المتاحة للمحافظة على استمرارية الشركة وأداء دورها في عملية التنمية الاقتصادية وصمودها أمام التحديات المحلية والخارجية كافة, ويعطي التحول إلى شركة مساهمة عامة تجنب الانهيار عند غياب الجيل الأول من المؤسسين وانتقال الملكية إلى الورثة وتستطيع الحصول على التحويل بشروط ميسرة تساعدها على النمو من خلال القروض المصرفية والاستفادة من مزايا الشركات المساهمة, خاصة إمكانية زيادة رأس المال لزيادة الموجودات بشقيها الثابتة والمتداولة وتعزيز القدرة على مواجهة المصاعب والأزمات الاقتصادية الطارئة نتيجة توافر الخبرات والكفاءات الإدارية وتوزيع المسؤوليات.‏
وتقل في الشركة المساهمة نسبة الملكية الاحتكارية سواء للأفراد أو المجموعات المرتبطة كالعائلة, وزيادة فاعلية الهيئات العامة للمساهمين في اجتماعاتها السنوية لمحاسبة وتقييم أداء الشركة عن العام الماضي وسهولة إدخال مبادئ الحوكمة إلى الشركة, والارتقاء بمستوى الإفصاح والشفافية, وإنشاء كيان أكبر قادر على المنافسة.‏
وإن عملية تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة عامة يخضع لضوابط عديدة وذلك لضمان حقوق المساهمين وعدم ترك المجال للشركات الضعيفة لكي تنفذ إلى الأسواق.‏
متطلبات التحول إلى شركة مساهمة‏ .
إن اعتماد مبدأ التدرج في التحول إلى شركات مساهمة عامة بحيث يتم في البداية التحول إلى شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مساهمة مغلقة وبخاصة بالنسبة لشركات الأشخاص ومن ثم تليها مرحلة ثانية وهي مرحلة طرح الأسهم للاكتتاب العام, أي التحول إلى شركة مساهمة عامة يتيح الوقت الكافي لأصحاب الشركات العائلية للتكيف مع مفاهيم المشاركة في الإدارة والتخلي التدريجي عن السلطات المطلقة التي تمارسها إدارة الشركات العائلية, كما يسمح للسلطات المعنية بالتأكد من سلامة الأوضاع المالية والتشغيلية للشركة, والاطمئنان على نموها المستقبلي حفاظاً على مصالح المساهمين واستقرار السوق المالية.‏
وفي النهاية فإن تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة يجب ألا يتم بناء على رغبة أصحاب الشركة فقط وإنما بناء على دراسة جدوى اقتصادية دقيقة تتضمن الجوانب الاقتصادية والفنية والتسويقية والمالية, معدة من جهة استشارية مختصة ومحايدة تحدد أسباب التحول ومبرراته, ومن الضروري الاعتماد على مبدأ التدرج لتحويل الشركات العائلية إلى مساهمة عامة وفق ضوابط محددة.‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي