Author

رمضان ونقلة في الحرب على الإرهاب

|
في الوقت الذي تتابعت فيه الأخبار الطيبة والمفرحة حول وطننا الغالي، من قرب عودة الأمير سلطان بن عبد العزيز معافى ـ بإذن الله ـ إلى أرض الوطن، وأخبار صندوق النقد الدولي الذي يؤكد فيه أن الإصلاحات والسياسات التنموية تضع السعودية في موقع قوة أمام الأزمة العالمية، وقرب افتتاح جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية لتكون منارة للعلم ومنطلقا للبحث النافع والمفيد في شتى العلوم والمجالات، أطلت علينا وزارة الداخلية بخبر القبض على 44 من عناصر تنظيم الإرهاب والقتل وتدمير العباد والبلاد، بعضهم يحمل مؤهلات عالية وبعضهم لديه خبرات متقدمة في التقنية والحاسب الآلي. وما إن بدأنا نفيق من هول صدمة القبض على زمرة المفسدين في الأرض ممن يعيشون بين ظهرانينا، في مساجدنا، وجامعاتنا، ومدارسنا، وانشغلنا بصومنا وصلاتنا ودعائنا بأن يحفظ الله هذه البلاد وأهلها من كل سوء ومكروه، حتى فوجئنا بخبر محاولة الاغتيال الفاشلة لرمز من رموز الحرب على الإرهاب, وهو الأمير محمد بن نايف الذي سلمه الله وحفظه في موقف تحتار فيه العقول حقا. وفي بيان وزارة الداخلية الذي وضحت فيه ملابسات هذه المحاولة الفاشلة ونشرت تسجيلا صوتيا بين الأمير والإرهابي المنتحر أشار فيه إلى أنه ينقل رسالة من المرأة وأطفالها ومجموعة من السعوديين الذين يعيشون أوضاعا بالغة السوء ويرغبون في العودة إلى الوطن وذلك بعد أن اتضحت لهم الرؤية وندموا على ما بدر منهم وأنهم يطلبون الأمان من ولاة الأمر من خلال الاتصال بمساعد وزير الداخلية شخصيا. ومن خلال هذا التسجيل يمكن ملاحظة أن الأمير محمد يتكلم مع الإرهابي بصوت الصدق والنية الصافية والأب الحنون والعطوف الذي قلبه على سلامة الأطفال والنساء، وحريص على عودة هؤلاء المجرمين في حق الوطن إلى وطنهم مع ما اقترفته أيديهم، فهم أبناء الوطن ويجب أن يعودوا إليه بلا خوف أو تردد، مغلفا هذه الدعوة الصادقة بالنصيحة لهؤلاء بأن يضعوا الله ـ عز وجل ـ نصب أعينهم، وأن يحذروا من الأشرار الذين يستغلونهم لتحقيق أهدافهم الشريرة. وفي المقابل نستمع إلى صوت المنتحر وهو يتصنع فيه الندم على ما فات، والحرص على مقابلة الأمير لإطلاعه على بعض المعلومات المهمة، وفي قرارة نفسه العزم على الغدر والخيانة، ومقابلة الإحسان بالإساءة، وظهرت خفايا هذه النية السيئة في عبارات كثيرة رددها المنتحر مثل قوله: ''عسى الله ييسر الأمور''، و''نسأل الله أن يكفينا الشر'' و ''رمضان هذا رمضان خير ومتفائلين أن رمضان هذا يعني بيكون نقلة!! وقوله: ''وأن الأمور ـ بإذن الله ـ تتم وتتيسر''. ويا سبحان الله، فقد أعطى الله ـ عز وجل ـ كلا حسب نيته، وجازاه بمطلوبه ومقصده، فقد سلم الله الأمير محمد بن نايف من محاولة التفجير الغادرة، ورفع ذكره بين العالمين، وأظهر الله محبته بين الناس، وجعل الله سلامته شعارا للتهاني والتبريكات لجميع شرائح المجتمع، وقويت بعد هذه الحادثة اللحمة وحب الوطن بين الناس، كما برز الشعور والاتجاه ببغض الإرهابيين والمفسدين ومن يريدون شرا لهذا الوطن وولاة الأمر، والحمد لله على ذلك. أما المنتحر ومن وراءه من الإرهابيين، فقد أخزاهم الله، ورد كيدهم في نحورهم، وحط من شأنهم، ونشر بغضهم بين الناس، وجعل مآل المنتحر القتل والتشويه والخزي والعار في الدنيا، والله سبحانه حسيبه في يوم القيامة، وإلا كيف يقدم مسلم على قتل مسلم آخر وهو يقرأ قول الله ـ عز وجل: ''ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما'' نسأل الله العافية والسلامة. وإذا كان من دروس وعظات وعبر من هذه الحادثة الإجرامية الآثمة في حق الوطن وولاة الأمر، وما أكثرها، فإن أولها أن يكون شهر رمضان هذا العام نقلة نوعية في الحرب على الإرهاب، وكشف خطط الإرهابيين بكل وضوح وصراحة، والعمل على تعرية من يقف وراء نشر أفكار الخوارج في أوساط الشباب، ومن يريد زعزعة استقرار هذا الوطن ونشر الفتنة بين ولاة الأمر والعلماء وعامة الناس، ولنحمي أبناءنا أيضا من أتون هذه المنزلقات الفكرية الخطيرة التي يواجهونها في المدارس والجامعات والمساجد، أو من خلال التسجيلات الصوتية أو المرئية أو الإنترنت. إن جهود وزارة الداخلية في الحرب على الإرهاب لم ولن تتوقف أو تضعف أو تتراجع، لكن المشكلة في جهود مؤسسات المجتمع وعلى رأسها المؤسسات التربوية والدعوية التي تتصف – وللأسف- بالبرودة والوقتية، وإقامة الأنشطة والفعاليات التي تدعو إلى الأمن الفكري والانتماء الوطني في مناسبات منعزلة سرعان ما يزول أثرها. ومن هنا، فإن كان من نقلة نوعية في الحرب على الإرهاب فيجب أن تبدأ فعلا من مؤسسات المجتمع باستراتيجيات وخطط وبرامج وأنشطة نوعية لتحقيق التأثير الفكري والثقافي المبني على الوسطية والاعتدال والتسامح وسد كل منافذ الاختراق الفكري الذي يتلون ويتغير ويتطور ليحقق أهدافه السيئة.
إنشرها