رد السلام

رد السلام

خالد بن أحمد الخضير:

قال تعالى :(( و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا )) .

قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) التحية : هي دعاء الحياة ، والمراد بالتحية هاهنا ، السلام ، يقول : إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن منها أو ردوها كما سلم ، فإذا قال : السلام عليكم ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد مثله ، روي أن رجلا سلم على ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئا ، فقال ابن عباس : إن السلام ينتهي إلى البركة .

وروي عن عمران بن حصين : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عشر " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس ، فقال : " عشرون " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، فقال : " ثلاثون " .

واعلم أن السلام سنة ورد السلام فريضة ، وهو فرض على الكفاية ، وكذلك السلام سنة على الكفاية فإذا سلم واحد من جماعة كان كافيا في السنة ، وإذا سلم واحد على جماعة ورد واحد منهم سقط الفرض عن جميعهم .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم " . [ ص: 258 ]

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : " أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " . ومعنى قوله : أي الإسلام خير ، يريد : أي خصال الإسلام خير .

وقيل : ( فحيوا بأحسن منها ) معناه أي إذا كان الذي سلم مسلما ، ( أو ردوها ) بمثلها إذا لم يكن مسلما .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي حدثنا زاهر بن أحمد ، حدثنا أبو إسحاق الهاشمي ، حدثنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم : فإنما يقول السام عليكم ، فقل عليك " .

قوله تعالى : ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) أي : على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه ، حسيبا أي : محاسبا مجازيا ، وقال مجاهد : حفيظا ، وقال أبو عبيدة : كافيا ، يقال : حسبي هذا أي كفاني .

## من آداب السلام

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ليسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير متفق عليه، في رواية لمسلم: والراكب على الماشي .

نعم، حديث أبي هريرة فيه أدب من آداب السلام، يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير، واللفظ الذي ذكره هنا موجود في صحيح البخاري، "والراكب على الماشي" وفيه دلالة على أن هؤلاء الأربعة يقدم منهم مَن الحقُّ عليه، الصغير على الكبير، يسلم الصغير لأن الحق للكبير، والمار على القاعد.

والصغير قد تقرر في الأدلة الكثيرة تقديم الكبير في أمور كثيرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: الكبر الكبر وقال -عليه الصلاة والسلام-: البركة مع أكابركم في حديث جيد رواه ابن حبان وغيره، وقال: ليس منا من لم يوقر كبيرنا وأحاديث في هذا المعنى كثيرة، عنه -عليه الصلاة والسلام- في حديث السواك، قال: أمرني أن أبدأ بالأكبر والأحاديث في هذا كثيرة، وهو تسليم الصغير على الكبير.

"والمار على القاعد، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي" المار على القاعد كذلك؛ لأن القاعد له حق من جهة أن الماشي هو الذي يسلم، ولأن الماشي بمثابة الداخل، والداخل عليه أن يسلم: إذا جاء أحدكم المجلس فليسلم كما روى أبو داود في حديث أبي هريرة: إذا جاء أحدكم المجلس فليسلم فإن بدا له أن يقوم فليسلم، فليست الأولى أحق من الآخرة فالمار بمثابة الداخل، والداخل هو الذي يسلم ليس الجالس، وكذلك القليل على الكثير؛ لأن العدد الكثير لهم الحق، والقليل هم الذين يسلمون. وكذلك الراكب على الماشي، كما قلنا، كما في المار على القاعد؛ ولأن هذا فيه دفع زهو الراكب.

ثم اختلف العلماء فيما إذا كان الجالس صغيرا والمار كبيرا أو الجالس قليلا والمار كثيرا، فهل يسلم القاعد؛ لأنه صغير، أو لأن عددهم قليل، فيه خلاف. والأظهر والله أعلم أن المار يسلم مطلقا هذا الأظهر، سواء كان قليلا أم كثيرا، سواء كان صغيرا أو كبيرا، هذا هو الظاهر؛ لأن وصف المرور يشمله، وأنه ماش ومار وداخل، فعموم النصوص تشمله، كما تقدم.

ثم أيضا القاعد لو أمر بأن يراعي الذين يمرون عليه لشق عليه ذلك، والشارع يدفع المشقة، فلهذا كان الحق للقاعد، والمراعاة تكون للماشي؛ لأنه لا مشقة عليه في ذلك فهو يمشي أو يركب، فيسلم على من مر عليه من قاعد ومن ماشٍ إذا كان راكبا وكذلك إذا كان صغيرا وهو كبير فيسلم، هذا هو الأقرب كما تقدم، نعم.

فأين المسلم - الذي يسلم عليه ولا يرد ،أو يمر ولا يسلم- عن هذا الكلام الجميل الذي سبق ذكره ؟

المرجع :شرح بلوغ المرام للشيخ عبدالمحسن الزامل.

المرجع : تفسير الإمام البغوي .

الأكثر قراءة