طريق الإصلاح الاقتصادي

عرض وزير المالية على مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي مضمون تقرير صندوق النقد الدولي الذي نشرته ''الاقتصادية'' يوم الأربعاء 19 آب (أغسطس) الماضي. وهو التقرير الذي بني على مشاورات المادة الرابعة مع المملكة لعام 2009. وفيه أكد التقرير قوة اقتصادنا في مواجهة الأزمة المالية العالمية الحالية، الأمر الذي مكنها من تعزيز مركزها الاقتصادي الكلي وتقوية قطاعها المالي وتنفيذ إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع الخاص. والحقيقة أن التقييم الإيجابي لمجلس المديرين التنفيذيين في صندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد السعودي، جاء انعكاسا وتقريرا للظروف المواتية لعوائد النفط التي ظلت متماسكة خلال هذا العام فوق حاجز 60 دولارا على الرغم من تراجعها عن أعلى مستوى بلغه سعر برميل النفط في صيف عام 2008. كما جاء الحافز الرئيس للقطاع غير النفطي من قوة الإنفاق الحكومي خصوصاً في المشاريع الرأسمالية، التي رسخت الثقة بالاقتصاد السعودي وجعلته يتجاوز آثار الأزمة المالية.
إن تأكيد صندوق النقد الدولي على قوة مركز الاقتصاد السعودي في مواجهة أزمة المال العالمية، هو شهادة إيجابية لاقتصادنا لم تأت من فراغ، لكنها تتعلق عموما بمؤشرات اقتصادنا الكلية، وقد يكون لها قصد آخر خفي وهو ممارسة ضغوط على بلادنا لتحمل أخطاء الآخرين وتحويل جزء من عوائد النفط لضخها في تلك الاقتصادات. بيد أن بيان مجلس الوزراء جاء ضمن سياق واضح وهو أن الإيجابيات التي جاءت في تقرير الصندوق هي مدعاة لكي نمضي قدما في طريق الإصلاحات الاقتصادية لمواجهة التحديات الاقتصادية المستمرة التي يفرضها معدل نمو السكان العالي في مجتمعنا. وهو كذلك تأكيد من الحكومة للمجتمع المحلي والدولي أن البلاد ماضية في تنفيذ جميع سياساتها وإجراءاتها وإصلاحاتها الرامية لتعزيز الثقة باقتصادنا الوطني وقدرته على الصمود في مواجهة الأزمة العالمية الراهنة. وعموما فإن تقارير صندوق النقد الدولي تكون أكثر دقة عندما يتعلق الأمر بطلب قرض من الصندوق، أما ما يطرحه من آراء بشأن اقتصادات الدول الأعضاء التي لا تحتاج إلى مساعدته فإنها مجرد بيانات دورية تعتمد على البيانات التي يوفرها البلد المعني.
على أن من أهم النقاط التي تضمنها تقرير صندوق النقد، من وجهة نظري، دعوته إلى أن تتبنى دول الخليج نظاما أكثر مرونة لسعر الصرف. وهذا ما كنت أدعو إليه كثيرا في السنوات الثلاث الماضية. فقد شاهدنا كيف عطل هذا الربط من تأثير السياسة النقدية وجعلها أسيرة نظيرتها الأمريكية التي لا توافق بالضرورة مصالح الاقتصاد السعودي.
ومن الواضح أن ملاحظة الصندوق حول عملتنا تعني بشكل غير مباشر توصية بإعادة النظر في ربط الريال بالدولار من حيث نظام أكثر مرونة لسعر الصرف وفق مستجدات الوضع الاقتصادي العالمي. وينبغي علينا أيضا الاستعداد من الآن لمخاطر التضخم العالمي القادمة والمترتبة على برامج الإنفاق الحكومي الأمريكي الهائلة، طالما استمر ربط الريال بالدولار. وإذا كانت هناك مصلحة في استمرار هذا الربط كما يجادل البعض، فلنستعد من الآن ببرامج تعويض مناسبة للتدهور المتوقع في الدخول الحقيقية الفردية، خاصة إذا رافق ذلك ارتفاع عوائد النفط كما هو متوقع.
إن القوة الحقيقية لاقتصادنا ليست في مجرد تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلية، بل هي في حسن استغلال وإدارة ثرواتنا وفي قدرتنا على إحداث تغيير نوعي في صروحنا الصناعية، وقلاعنا التعليمية، وخدماتنا الصحية، وأساليبنا الإدارية، والتزاماتنا المنهجية، حيث تفضي بنا في نهاية المطاف إلى دخل وطني أكثر تنوعا. أما ما عدا ذلك فسيظل اقتصادنا حرجا، ما بقي معتمدا على تغيرات أسعار النفط!
التفوق الحقيقي الذي يضمن حل مشكلاتنا واللحاق بالآخرين هو التفوق على النفس أولا. والتفوق على النفس يكون بالإيمان بالقدرات وبتفجير الطاقات وبالنظرة الإيجابية للحياة وبالتخلص من اليأس وبالرغبة الصادقة في الإنجاز. والنظرة الإيجابية للحياة تعني النظر إلى جملة التحديات كمصدر لشحذ العزائم وتجديد الهمم. الحياة فرص، والفرص لا تطرق الأبواب بل يجب نزعها انتزاعا. في كتابه الشهير Head to Head قال الاقتصادي الأمريكي لستر ثرو Lester Thurow وهو يتحدث عن اقتصاد أمريكا: ''ليس السؤال ماذا يجب علينا أن نفعل؟ بل السؤال هو: كيف نجبر أنفسنا على عمل ما نعلم أننا في حاجة إلى عمله''؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي