Author

قصة طيران الإنسان كالطير صافات

|
في يوم 17 كانون الثاني(ديسمبر) من عام 1903 م استطاع الأخوان ويلبر وأورفل (رايت) الطيران لمسافة عدة أمتار، بأول طائرة تحلق في الجو مع موتور على ظهرها بقوة 12 حصاناً. وفي صيف عام 1997 م وصلت الباثفايندر إلى سطح المريخ بعد أن قطعت مسافة 400 مليون كيلومتر، على مدى ستة أشهر، لتندلق من أحشائها عربة أنيقة بطول 60 سنتمترا على ظهرها 200 حجرة ضوئية لامتصاص الطاقة من أشعة الشمس، ولتميل بأنفها فتشم جو المريخ الأحمر العبق بأكسيد الحديد ثم تقول (لا المس مس أرنب ولا الريح ريح زرنب). إن تحقيق الخطوة الأولى يعني الإمساك بسنة الشيء، وإذا أصبح القانون في متناول اليد، جاءت عمليات التهذيب والتطوير عليه، بحيث يتم تسخير القانون المرة بعد المرة على نحو أعظم وأشد مضاءً، وهذا ما حصل مع الطيران. وتبدأ قصة الطيران مع (ويلبر رايت) الذي كان يتهيأ لدراسة اللاهوت في جامعة (يال) في أمريكا، ولكن موت أمه سوزان أدخل إلى قلبه الكثير من الحزن والكآبة، مما جعل أخاه (أورفيل) يقدم له هدية كانت كبيرة في تلك الأيام، وهي دراجة بعجلتين، وفعلاً وجد الرجل سلواناً في هذه الآلة، إلى درجة أن قام هو وأخوه بتطوير الدراجة، وفتحا محل للصيانة، ثم تطور الموضوع إلى امتلاك شركة (رايت) لبيع الدراجات. ولا نعرف بالضبط ما الذي جعل (ويلبر رايت) يراسل شركة (سميث سونيان) المتخصصة في أفكار الطيران. ويقول من يعرفه إن الرجل عندما ركب الدراجة شعر بالحرية وأنه يطير، فقال ولماذا لا نطير أكثر مثل العصافير؟ وعندما جاءه الجواب من الشركة كان فيه إشارة إلى رجل ألماني يشبه (عباس بن فرناس) من تاريخنا حيث قام بالطيران من خلال أجنحة صنعها بنفسه فطار بها أمام الناس. هذا الرجل هو الألماني (أوتو ليلينتال) ولكن الذي ثبت من خلال التجارب اللاحقة للإخوة (رايت) أن حسابات الرجل كانت خاطئة، ولعلها كانت خلف سقوط الرجل من شاهق فدقت عنقه، كما حصل مع عباس بن فرناس، الذي مات شهيد العلم والتجربة إن صح التعبير. وهكذا انكب ويلبر رايت عام 1899 على معضلة الطيران فتأمل الطير وهي صافات تسبح بحمده وأمسك بأول فكرة: إنه جناح عريض يمر من تحته تيار هوائي يدفعه للأعلى، ولكن هذا غير كاف؛ فهناك ثلاثة أنواع من الحركة: إلى الأمام والخلف وإلى الجانبين ثم أصعبها وهي الدوران. وفي ليلة كاد دماغه يحترق من أجل كشف السر؛ فأمسك بيده بعلبة كرتون طويلة ثم طواها فشعر أن الميل من طرف يرفع الطرف الآخر، فاهتدى إلى فكرة الدوران. وهكذا عالج الحركات الثلاث الطيران والثبات في الجو والدوران، وبإضافة الذنب وموتور خاص استطاع التحكم في الهبوط والنزول. وكان في الوقت نفسه ينافسهما (صامويل لانجلي) رئيس مؤسسة الطيران، التي أشرنا إليها، وانتظره الناس طويلا، حيث زود طائرته بمحرك قوته 48 حصانا، أقوى من طائرة رايت بأربع مرات، وكان يساعده رهط من الناس مع مساعدة بـ 50 ألف دولار، وهو مبلغ كبير في تلك الأيام، حتى إذا قام بتجربته الأولى، فسقطت طائرته مثل الحجر في الماء، مما جعله يصاب بخيبة أمل كبيرة، جعلته ينفض يده من المشروع وينسحب. تكونت الطائرة الأولى للأخوين رايت من جناحين بطول 32 قدما، ومؤخرة بعمودين بطول ستة أقدام، مع دفة أمامية، ونجحت التجربة في الأول من سبتمبر عام 1903 م، فطارا مسافة 100 متر، ولكنها كانت البداية للسفر عبر الكون. وحلقت الطائرة على ارتفاع 45 قدماً، وخلال يومين قاما بـ 250 محاولة طيران أخرى، وخلال أسبوع واحد كررا ألف محاولة، ثم أعلن عن نجاح الطيران. وفي عام 1907 قاما باستعراض الطيران في باريس، حيث بدأ الناس يقلدونه في ملابسه البسيطة، ومنها قبعة (البيريه) التي أصبحت موضة دارجة منذ تلك الأيام، ويظنونها فرنسية وهي قبعة رايت. وكان الرئيس الأمريكي روزفلت من أول من ركب الطائرة الجديدة، ثم قام الأخوان باستعراض مذهل أمام مليون متفرج في أمريكا، حيث طارا لمسافة 20 كيلومترا من تمثال الحرية في نيويورك، على ممر نهر هدسون حتى قبر الجنرال جرانت. ومع كل هذا النصر فقد دخلا صراعا مريرا حول براءة الاختراع، لأن أكثر من واحد تقدم بالادعاء أنه كان الأول الذي وصل إلى أجواز الفضاء. ومع أن القضية واضحة ولكن هناك من يستطيع الحجاج إلى قيام الساعة. والمهم بقي ذكر الرجلين في العالمين، ولم يعمر المخترع طويلاً فمات بتسمم معوي. أما أورفيل فعاش حتى عام 1948 ليعاصر استخدام الطائرة كفرسان جو في الحرب العالمية الأولى ثم رأى عصر الطائرات النفاثة. إن الإنسان لا يصدق الفرق بين البداية، وعدم وجود نهاية للتطوير، ولكن هذه هي طبيعة العلم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون.. وكانت الطائرات من هذا الخلق الذي لم يعلم.
إنشرها