المشرف قدوة من يشرف عليهم
ينظر طالب أو طالبة العلم، بصرف النظر عن سنه والمرحلة التعليمية التي هو فيها، إلى معلمه أو معلمتها على أنه الإنسان الأقرب إلى الصورة المثالية في عمله وسلوكه. كيف لا! وقد أوكل إليه تعليمه وتربيته. ويعتقد بعض من هؤلاء الطلاب والطالبات أن قدر علم هذا المعلم أو المعلمة والسلوك الحسن هما اللذان أوصلاهما إلى حيازة الثقة بالقيام بمهمة التربية أولاً كأساس من الأسس اللازمة لتلقي المعارف (العلوم بمختلف مجالاتها). وفي هذا الصدد, نقل عن أحد القدامى يقال له عمر بن عتبة أنه قال لمعلم أولاده: ليكن أول إصلاحك لنفسك, فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت''.
لذلك نجد بعضاً من هؤلاء الطلاب والطالبات وقد تأثر، بشكل أو بآخر، بمعلمه لحسن تعامله ودماثة خلقه فأصبح يرى فيه ما لا يرى في غيره ويسمع منه ويصدقه، وقد يمنحه من الإعجاب والطاعة ما لا تطيعه نفسه منحه لمن يكبره من إخوته وأقربائه, لا لقدر علمه وحسب، وإنما لأن السلوك الحسن لذاك المعلم أو المعلمة هو الذي رفع مكانته لأنه لا ينهى عن خلق ويأتي مثله, أو يأمر بخلق لا يتحلى به فعلاً لا قولاً وحسب، ولذلك فسلوكه القويم يُشكل جزءاً تطبيقياً مهما من منهج التربية الصالحة. وعلى العكس من ذلك شعورهم تجاه ما لا يتحلى بتلك الأخلاق, رغم تماثل الاثنين في المهنة والعلاقة.
وأغلب الموظفين ليسوا ببعيدين، في مشاعرهم تجاه رؤسائهم، عن شعور أولئك الطلاب والطالبات تجاه معلمهم. فالموظف والموظفة، في الغالب، يعجب بمعظم ما يصدر عن رئيسه من سلوك. ويعتقد أن ذلك السلوك والأسلوب في معالجة الأمور يجسدان كفاءة تشكلت من دراية وخبرة يعتد بها أدت إلى وصول رئيسه أو رئيستها إلى هذا المركز الوظيفي الذي يتوق هو أو هي إليه.
ومن هنا نجد أن بعض المرؤوسين والمرؤوسات يرون في رؤسائهم قدوة فيترسمون خطاهم وينهجون نهجهم ليس فقط في كيفية تسيير العمل أو معالجة مشاكله، بل يمتد ذلك إلى أسلوب معاملة الآخرين من موظفين وموظفات ومراجعين ومراجعات ولا ضير في ذلك، إذا كان ذلك المشرف أو المشرفة من ذوي السلوك القويم، بل على العكس من ذلك، فالاقتداء بهما شيء محبب لأنه خير يؤدي إلى خير. ولكن ما يُخشى منه هو ذلك المشرف أو المشرفة الذي تشوب سلوك أي منهما شوائب، أشبه ما تكون بتلك الكائنات الدقيقة التي تسبب المرض، مما يستوجب الحيلولة دون انتقالها إلى مرؤوسيه, أو مرؤوساتها.
لذلك، على من يتقلد مركزاً وظيفياً إشرافيا أن يتنبه إلى سلوكه مع مرؤوسيه ومع غيرهم ممن تربطه بهم علاقة عمل أو تقديم خدمة، فتعامله أو تعاملها مع المراجعين، أو المراجعات على سبيل المثال، يكون بمثابة التعليمات الرسمية غير المكتوبة في كيفية التعامل.
وإذا كان المشرف أو المشرفة من ذوي التعامل الشائك, فعليهما أن يكونا حذرين في تعاملهما أثناء أداء الواجبات الوظيفية وأن يتقيا الله ويحولا ما استطاعا, دون انتشار غير الصالح من القول والفعل في محيط العمل.