المرأة وصاحب الضلع الأعوج
كل عام وأنتم بخير، ولأنه قد يكون هذا اليوم هو الأول من رمضان لعام 1430هـ لذلك سأبتعد قليلا عن الاقتصاد وعالم المال والأعمال لآتي على ذكر المعصوم خاتم الأنبياء الذي لا ينطق عن الهوى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث هو من أعظم دلائل نبوته، حيث يقول في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) وفي بعض الروايات (وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد) فبالرغم أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ هي زوجته وأحب نسائه والناس إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنه لم يذكرها من الكاملات من النساء ولا باقي زوجاته، ذلك أن الأمر ليس بيده ولا هو اختياره بل هو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. ولا عجب أن قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن من الرجال كثيرا فهناك أنبياء لا يعلم عددهم إلا الله, وكلهم من الرجال، والأنبياء أكمل البشر بلا شك.
ما شدني للكتابة عن هذا الحديث الحادثة المؤلمة والمأساة الحقيقة التي هزت قلوبنا وقلوب إخواننا في الكويت الشقيقة، إنها حادثة إحراق خيمة العرس التي انتهت بوفاة 44 امرأة وطفلا بخلاف 100 حالة من الإصابات بالحروق التي تحتاج إلى علاج طويل الأمد. إنها فاجعة بكل معنى الكلمة ومصيبة حقيقية وكم من أسرة تعيش أيام الحزن والألم. وهناك قصة لا تقل ألما وهي تلك التي حدثت في منطقة عسير عندما قامت مطلقة بقتل زوجة طليقها وكادت أن تقتل ابنه أيضا. هاتان المأساتان تسببت فيهما امرأتان خلقتا من ضلع أعوج وقد مولئتا بالحقد على الرجل.
أقول خلقتا من ضلع أعوج في إشارة واضحة الدلالة لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم - وهو في الصحيحين - (استوصوا بالنساء خيراً, فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج) انتهى، ولذلك لم يكمل من النساء إلا قليل جدا حتى حواء التي خلقت مباشرة من ذلك الضلع لم تكمل. لكن الحديث الذي يشير إلى ضعف المرأة قد أوصى بها خيرا. ذلك أن الرجل نفسه هو صاحب الضلع الأعوج الذي خلقت منه المرأة وليس ضلعا واحدا فقط, بل 24 ضلعا أعوج، فعلى هذا, فإن عوج المرأة هو جزء من 24 عوجا في الرجل لذلك قال: ''استوصوا بالنساء خيرا''، وقال في حديث آخر وهو يوصي أمته قبل وفاته (أوصيكم بالنساء خيرا).
لست أهدف من خلال الطرح السابق شرح معنى الحديث فهناك من هو أعلم وأقدر، لكنني أعتقد أن وراء جريمة كل امرأة رجلا، رجلا أعوج امتهن ظلم المرأة والتنكيل بها، رجلا لم يأخذ بوصية رسول الله ولم يستوص بنسائه خيرا. ففي الحادثتين المؤلمتين امرأة مطلقة. والطلاق ليس قضية تسبب فقدان العقل وقتل الأبرياء في العادة، فالمعروف أن المرأة العربية عزيزة النفس، تُظهر العزة والتعفف. ولذلك جن قيس ولم تجن ليلى أو لبنى. كما أن العرب كانوا يسارعون في التزوج من المرأة المطلقة ولم يعد الطلاق عيبا في المرأة وقدرتها على بناء أسرة صالحة، ومن يقرأ السير العربية يجد فيها العجب من تهافت العرب على التزوج من المرأة المطلقة أو الأرملة. فالسؤال المهم جدا قبل محاكمة هاتين المرأتين وقبل أن نقتص منهما هو معرفة الدور الذي لعبه كل زوج حتى أوصل زوجته إلى حافة الجنون، بل الجنون فعلا، لترتكب واحدة من أعظم الجرائم على مر التاريخ (إزهاق الروح الإنسانية البريئة المسالمة).
فالقضية ليست مجرد امرأة اشتدت غيرتها حتى جنت وقتلت ثم حوكمت وأسدل الستار في انتظار جريمة وقصة بشعة أخرى، بل بقي المحرض الحقيقي والدافع على القتل حرا طليقا يتزوج امرأة أخرى ليسيء إليها ويقودها حتى حافة الجنون ثم يتبرأ منها ويطلقها ليبحث عن فريسة أخرى. وفي تصوير حال هاتين المرأتين ليس هناك أصدق من المثل الذي يقول (اللي يعرف يعرف واللي ما يعرف يقول كف عدس)، فمعظم من سمع بهاتين الفاجعتين قال بسبب الطلاق قتلت الناس في تجاهل لكل التراكمات النفسية التي من الممكن أن يكون الزوج قد تسبب فيها.
ليس ما أكتبه اليوم تعاطفا مع القتل وإزهاق أرواح الأبرياء، فما حصل يمثل فاجعة حقيقية لكل الأسر التي فقدت أحباءها. وليس تبريرا لجريمة بشعة, ولكن لكي يحاسب كل من كان له يد في هذا, وكل من أسهم في إشعال الخيمة بنار الحقد والجنون قبل نار البنزين. إن هاتين الحادثين رغم بعدهما المكاني إلا أنهما قريبتان في العوامل التي تسببت فيهما, والنتيجة التي آلت إليهما, وقد تتكرر طالما بقينا بعيدين عن وصية الرسول العظيم لأمته قبل وفاته (استوصوا بالنساء خيرا).