شبابنا والمنشآت الصغيرة
أتمنى أن تشارك جميع الغرف التجارية والصناعية في مدن المملكة بقدر ما تستطيع في الجهود التي تبذل لتطويق مشكلة البطالة في مجتمعنا. فتضافر هذه الجهود غدا أمرا ملحا، ولم يعد من قبيل ترف تنويع الخدمات المطلوبة من هذه الغرف. فقد توقعت دراسة أعدها مركز تنمية المنشآت الصغيرة في الغرفة التجارية والصناعية في مكة المكرمة، أن يدخل سوق العمل نحو أربعة ملايين شاب وشابة خلال السنوات العشر المقبلة. وهو رقم مذهل يشير إلى حجم التحدي الذي يقتضي يتعاون جميع أجهزتنا الرسمية والخاصة في تحمل مسؤولياتها بالجدية المناسبة والموارد اللازمة والبرامج الكافية.
من أساليب تطويق المشكلة ما قامت به بعض الغرف بإنشاء مراكز متخصصة لتنمية قطاع المنشآت الصغيرة. وهي خدمة تغطي سلة عريضة ومتنوعة من الخدمات الاستشارية والتدريبية والمعلوماتية والإرشادية والإجرائية التي تهدف إلى دعم الطموحين وإرشادهم لكيفية بدء مشاريع خاصة بهم مهما صغر حجمها. وكم كانت الأعمال الكبيرة نتاج فكرة صغيرة، ثم مع مرور الوقت تنمو هذه الأفكار بالاجتهاد والمثابرة وتراكم الخبرة وبناء السمعة ومعرفة أسرار النشاط. ولذلك على شبابنا وشاباتنا أن يدركوا أن التحرك الإيجابي أفضل وأضمن وأسلم من انتظار وظيفة هنا أو هناك قد تأتي وقد لا تأتي. وإذا كان الشاب مصرا على الحصول على وظيفة، فعليه أن يفعل شيئا ريثما تأتي الوظيفة. فربما اكتشف باب كسب يصرفه عن الوظيفة ويجعله يحمد الله أنه لم يبدأ حياته بوظيفة فيظل أسيرا لها!
على الشباب أن يبادروا ويجتهدوا فالعمل الإيجابي سنة من سنن الحياة والفرص لا تنتهي. وفي كل جيل يبرز شباب عصاميون يسطرون قصصا رائعة ويحققون نجاحا مذهلا. ومنهم ذلك الشاب الذي حكت ''الاقتصادية'' قصته في الصفحة الأولى منذ نحو أقل من سنتين، وفي قصته دليل على عدم صحة الادعاء بضرورة توافر رأس المال الابتدائي في كل الأحوال. فقد بدأ هذا الشاب بقرض صغير من خلال برامج عبد اللطيف جميل ثم بعد سنوات معدودة فاز بعقد مقاولة بعدة مئات الملايين! وعرفت أيضا قصة الشاب الذي أصبح يملك أكبر سلسلة معارض لبيع أجهزة الهواتف الجوالة. وكان قد بدأ من الصفر وانطلق بسرعة كبيرة ساعدته على ذلك ظروف النمو الصاروخي في تجارة هذا النشاط. وهناك قصة الشابة التي بدأت مشروعا لصنع حلوى Cup Cake من منزلها، وبرعت في تزيينها بأشكال أخاذة، سرعان ما لقيت قبولا واسعا من مجتمع الإنترنت عن طريق E-mails, facebook، حيث قادها ذكاؤها لاستغلاله كوسيلة إعلانية ودعائية وترويجية مجانية لها، فباعت خلال سنة واحدة فقط ثمانية ملايين قطعة!
وفي محاضراتي الجامعية ولقاءاتي مع الشباب أحرص على تشجيعهم على بناء الحس التجاري في دواخلهم من الآن. وأسرد عليهم قصصا واقعية عن كبار رجال الأعمال الذين بدأوا نشاطهم التجاري مبكرين واقتحموا الصعاب دون مهابة، بيد أنهم كانوا واقعيين جدا وصعدوا طريق المجد التجاري خطوة خطوة. فسليمان الراجحي بدأ عاملا ينقل أحشاء الإبل بين البائعين في السوق ودماؤها تسيل على ثوبه. وصالح كامل كان يبيع البليلة في الحارة، ثم باع المذكرات الجامعية لزملائه. ووزير البترول على النعيمي بدأ عاملا بسيطا في ''أرامكو''. بينما بدأ حسين قزاز بنوع واحد من العطور وبإمكانات متواضعة في محل صغير جدا في السوق المقابل لباب الزيادة في مكة المكرمة. وهكذا كان حال أرباب ومؤسسي أغلب البيوت التجارية العريقة في البلاد.
وعندما انهار النظام الاشتراكي الشمولي في الاتحاد السوفياتي زمن الرئيس جورباتشوف، وبدأت وفود من رجال الأعمال السعوديين زيارة روسيا إثر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، من أجل تقصي فرص التعاون والاستثمار، كان أكثر ما طلبه الروس – كما أخبرني حينها الشيخ صالح كامل - هو مساعدتهم على سرعة تعليم جيل الشباب مفهوم العمل التجاري الخاص وكيفية بناء وإنشاء المؤسسات التجارية الصغيرة. وفي الفترة نفسها تقريبا، أنشأ شاب سعودي في أمريكا شركة لتعليم الصغار كيف يصبحون رجال أعمال، وانتقل بها إلى روسيا!
طريق الألف ميل يبدأ بخطوة صغيرة، وفرص الحياة متجددة، وبدلا من أن يتأفف الشاب من الظلام عليه أن يجاهد ليشعل شمعة تنير طريقه، لا تخذل نفسك أيها الشاب! وثق بأنك تستطيع أن تفعل شيئا لو أردت، المهم أن تحاول وعليك المثابرة والصبر ولا تتعجل النتائج.