هل يقف الجشع الغربي أمام تطور بدائل الطاقة المتجدّدة في الجزيرة والخليج؟

كانت منطقة الجزيرة والخليج العربي وما زالت, واحدة من أهم المناطق والبؤر الاستراتيجية على مستوى العالم, لأنها ارتبطت بالاكتشافات النفطية الكبيرة, ما جعل منها محط أنظار وتنافس الدول الكبرى من أجل استثمار النفط والعمل على تأمين مصادره وتدفقه إلى الأسواق العالمية, لكن في ظل الهواجس من فقدان هذه النعمة الفياضة, تطلب الحديث عن بدائل أخرى وفي مقدمتها الطاقة الشمسية, وتكمن الأهمية الجيوسياسية لمنطقة الخليج العربي باعتبارها مستودع طاقة العالم ما يزيد من أهميتها, ذلك أنها تملك أكبر مخزون احتياطي للنفط والغاز, ما يجعل مستقبل إمدادات الطاقة مرهونا بضمان أمنها واستقرارها, وحيث شهدت الفترة الأخيرة ازديادا ملحوظا في عدد البلدان التي راهنت على استخدام الطاقة القابلة للتجدد كعامل مهم في الاقتصاد العالمي وعلى البيئة مع استخدام السخانات الشمسية لتسخين المياه لمختلف الأغراض والتطبيقات العملية, وأضحت الطاقة الشمسية في عصرنا الحالي طموحا لأن تكون دخلاً قومياً لكثير من البلدان الخليجية باعتبارها من أكثر بلاد العالم غنىً بالنفط وبالطاقة الشمسية معا, والتي ستؤدي إلى تزويد المناطق النائية بالتيار الكهربائي وإلى خلق فرص عمل جديدة وإلى إنعاش الاقتصاد, خصوصا في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الوقود وما يتبع ذلك من تأثير على اقتصادات الدول الغربية الصناعية التي أخذت ترقب الموقف بحذر وريبة, دول الخليج التي أدركت خطورة الموقف واتخذت الإجراءات اللازمة في ظل التخاذل العالمي الذي يريد الأمور أن تسير لمصلحته فقط, ومن أجل وضع نهضة دول مجلس التعاون الخليجي ومعضلة الأمن الاقتصادي فيها تحت المجهر، حيث إنها تعد بجدارة من الدول العربية التي يكثر فيها عدد الساعات المشمسة على مدار العام, وبالمقارنة مع الدول الغربية فالشمس تشرق فيها نحو تسع ساعات في اليوم, في حين يبلغ معدّل شروقها في ألمانيا مثلا إلى ما لا يزيد على ثلاث ساعات في اليوم فقط, ما يجعل نجاح الدول الغربية في أبحاثها المتعلقة بالطاقة الشمسية وتلك المتولدة من الرياح ضعيفة, لأنها دول باردة, ويزيد من غيرتها وحسدها للدول الخليجية المشرقة والمشمسة. منطقة الجزيرة والخليج وهي التي تمتلك نحو 114 مشروعاً نشطاً لتوليد الطاقة بلغ إجمالي قيمتها نحو 160 مليار دولار, ازدادت حاجتها إلى الطاقات البديلة المختلفة في ظل الطفرة العمرانية وما تبعها من زيادة في السكان تطلب أن يوازيها طلب زائد على الطاقة، وابتداء من السعودية حيث وجود الأشعة الشمسية فيها التي تمثل إحدى الثروات الطبيعية التي يستفاد منها في تنمية البلاد وتقدر بنحو 20 ألف كيلوات ساعة /م2 سنويا، ولتطوير تقنية الطاقة الشمسية وإيجاد النظم الملائمة لبيئتها في ظل توافر الطاقة التقليدية بسعر رخيص نسبيا نتيجة لوفرة النفط, فإن وجود المجمعات المتباعدة في المملكة وفي حالة تعذر ربطها بالشبكة الرئيسة للكهرباء, جعل الحل المنطقي الذي فرض نفسه هو استغلال الطاقة الشمسية, وفي هذا الصدد فقد تبنت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بحوثا تطبيقية في مجال الطاقة الشمسية, وذلك من خلال مشاريعها الميدانية بالتعاون الدولي مع كل من الولايات المتحدة وألمانيا, أما البحرين فهي تنتج 2800 ميجاوات من الكهرباء و143 مليون جالون من المياه المحلاة من المحطات، وتطورت تكنولوجيا تصنيع توربينات الرياح فيها وهي بدائل أخرى للطاقة يجدر بها استغلال الرياح بسرعة 53.5 متر في الثانية لتدوير التوربينات لإنتاج الكهرباء ما جعل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي الأنسب لبيئة البحرين - بناء على تقرير أعده البنك الدولي. وفي الإمارات فقد عملت الدولة على استكشاف مصادر للطاقة البديلة والمتجددة بما فيها الفحم الحجري والطاقة النووية والشمسية والرياح والهيدروجين، وفي قطر أيضا جرى الحديث عن الطلب المحلي المتزايد على الطاقة بسبب يرجع إلى أنه في ظل مشكلة عجز موارد الطاقة القائمة عن الوفاء بحاجة النمو الاقتصادي ذلك على الرغم من أنها غنية باحتياطيات النفط والغاز الطبيعي, أما في الكويت فإن العواصف الرملية الكثيرة تدمر في أغلب الأحيان الخلايا الضوئية, جميع الدول الخليجية مؤهلة إذن لدخول هذه الصناعة المهمة والفريدة, وبحثا في الأعماق فإن الطاقة الأصلية وهي النفط وفي ظل وجود التقارير التي تفيد أن أكثر من 60 في المائة من مصادر النفط العالمية موجودة في منطقة الخليج العربي, إلا أن هذا السلاح النفطي هو ذو حدين وخيارات البحث عن بدائله قد يستغلها بعضهم أو الغرب لمآرب سياسية, ويأتي اعتماد منطقة الخليج بالذات اعتمادًا أساسيا على صادراتها النفطية على الرغم من البحث عن البدائل الأخرى، كما أوضحنا, لكنه قد جعل السياسة الاقتصادية الخليجية على المحك في ظل الظروف المتسارعة التي يمر بها العالم, وعلى الرغم من أنَّ عددا كبيرا من الدول الخليجية قد حقَّق رفاهية ملموسة بسبب التصدير الأوحد للنفط الذي يجب ألاَّ يعد مصدرا أبديا للطاقة، لكن في ظل الاعتماد الأمريكي والأوروبي على صادرات المنطقة من النفط الذي ضمن أرباحًا عالية للدول المنتجة من صادراتها النفطية, جعلها تقلق على فقدانها, وفي ظل الترويج الغربي لفكرة دخول العالم فوضى صناعية وتلوث خطير يدمر البيئة في حال نضوب النفط وارتفاع أسعاره نتيجة تكلفته العالية والتذرع بوجود مصانع التحويل للفحم الحجري والتلوث في الولايات المتحدة ووجود عشرات الآلاف من الأطنان من النفايات الكيميائية التي ترمى بالأنهار والبحيرات التي تهدد البيئة الطبيعية والإنسان حسبما زعموا, كل هذا جعل المرء يشكك في الحماس الزائد الذي يبديه الغرب لموضوع تطوير الطاقات المتجددة متذرعا بعلة الحد من مسألة الاحتباس الحراري وانبعاث الغازات الدفينة، بينما يكمن السبب الحقيقي في وجود استراتيجية أمريكية تعمل على ألا يكون للعرب قوة ضغط ممثلة في النفط, وخصوصا أن هذه التحركات الغربية جاءت في وقت انهارت فيه أسعار النفط وسط توقعات باستمرار انخفاضها, ما يؤكد سبق الإصرار والترصد الأمريكي والغربي لإنهاء هيمنة النفط العربي والخليجي, ويوحي أنهم سوف لن يترددوا في إحداث انقلاب تاريخي على مصادر الطاقة التقليدية من خلال اللعب بوضع استراتيجيات بديلة للطاقة تتماشى مع مصالحهم بغض النظر عن مصالح الدول المنتجة ما يشكل ضربة قاصمة للنفط العربي ولدول الخليج على وجه التحديد التي تعتمد اقتصاداتها كليا على النفط, ولأن البحث عن مصادر بديلة للطاقة تسبب في تآكل حصة ''أوبك'' في السوق العالمية من 70 في المائة في السبعينيات إلى 30 في المائة, على أن الأسباب الاقتصادية والسياسية يجب ألا تقف عائقا دون تحقيق هذا الحلم للطاقة البديلة, ذلك أن دول الخليج مطالبة بأن تستوعب الدرس وتلعب دورا مهما في سوق الطاقة العالمية, إلى جانب سوق النفط, في ظل وجود الجريمة الدولية التي تكمن في جشاعة السوق الغربية وشركاتها العملاقة متعددة الجنسيات, التي تخفي الأسرار التقنية ولا تسمح للآخرين بالتركيز على البدائل من الطاقة للبترول والغاز الطبيعي كالفحم الحجري والهيدروجين والطاقة الشمسية والطاقات الجديدة الأخرى وخشية هبوط أرباحهم في هذا المجال إلى الحضيض, على أن خوفهم من الدخول في الأزمات الخانقة والكساد الهائل جراء نضوب الطاقة لأنها لم تطبق عليها سياسة الترشيد وإيجاد البدائل المفترضة للمستقبل, لم يمنع العالم من ولوج أزمة أكثر عمقا من الأزمة الحالية, فهل يستطيع العالم تفادي الكارثة الكبرى التي صنعها الأمريكيون والغربيون للبشرية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي