التثمين والتقييم العقاري .. ولماذا جدة دائما غير؟

لا أدري لماذا جدة دائما غير؟! تكاد جدة تكون غير سواها من المدن لتميزها بمشكلات ازدواجيات صكوك الأراضي ومشكلات التعديات على الأراضي والمخالفات للأنظمة البلدية. وهي ظاهرة معروفة ونتمنى أن تزول, وهي والحمد لله في طريقها للزوال. ولكن أن يقوم مجموعة من العقاريين وبالمئات وفي يوم واحد في جدة بحلف اليمين كمؤهل وحيد لهم ليكونوا مرخصين للتثمين العقاري قد يكون مثل العودة إلى الوراء والبحث عن مشكلات جديدة ستسبب عثرات مستقبلية أكبر للسوق أو القطاع العقاري في جدة. وكلنا لا نتمنى ذلك بل نأمل أن تزول تلك المشكلات لتنعم جدة بعودة المستثمرين, خاصة الذين هجروها منذ فترة بسبب مشكلات الأراضي. التأهيل والترخيص للتثمين والتقييم العقاري ليس بهذه السهولة, فهو علم له أصوله ومتطلباته ومؤهلاته, وهو عرف دولي وله منظمات ومؤسسات تعمل على التدريب والتأهيل ولا تعطي الرخصة إلا لمن يكون لديه الدراية بأصول المهنة.
ولماذا تتصرف جدة بهذه الطريقة في الوقت الذي تنتظر فيه السوق العقارية والمستثمرون بفارغ الصبر صدور الموافقة على نظام الرهن العقاري؟ وهو حدث كبير سيكون له تأثيره في سوق العقار في المملكة وسيساعد على عودة رؤوس الأموال المهاجرة, بل سيساعد على جذب استثمارات خارجية. هذا إذا أخدنا في الحسبان توجه الدولة لتوفير البيئة القانونية والمناخ الاستثماري الذي يحفظ حقوق الجميع. ولكن هذا النظام لن يكتب له النجاح إذا لم يتم تنظيم عملية التثمين والتقييم العقاري التي ما زالت تمارس بطريقة غير مهنية ومن جهات غير مؤهلة أو مرخصة. ولذلك فإنه لا بد من النظر من الآن في تأسيس هيئة منظمة ورقابية لتأهيل مهنة التثمين والتقييم العقاري.
ويعد التثمين والتقييم العقاري أهم الأساسيات لنظام الرهن العقاري ولإتمام صفقة الرهن وتحديد قيمة الرهن, فهي الأداة التي تعتمد عليها المؤسسات الاقتصادية في معظم دول العالم لمعرفة القيمة الفعلية والوقتية Present Value لكثير من المنتجات العقارية. وهي عادة تكون تحت إشراف جهة إشرافية ورقابية ممثلة في أعضاء من الدولة أو المؤسسات المدنية الرسمية والقطاع الخاص, مثل USPAP هيئة ممارسي مهنة التقييم في الولايات المتحدة. ولها أساسياتها وقوانينها ومقايساتها التي تكون مرتبطة بكود البناء ومواصفات أنظمة المبنى وأساليب النظام الضرائبي والتمويلي ونسبة الفائدة والربح المركب.
وعالميا هناك مؤسسات ومعاهد وجامعات تقوم بتدريب وإعطاء شهادات للمقيمين بعد التأكد من اجتيازهم عددا من الساعات الدراسية ولمدة أحيانا تقارب عاما أو أكثر, يتعلمون فيها كيفية قراءة المخططات والطرق المختلفة للتقييم.
وفي العالم العربي, خاصة المملكة, لا تخضع هذه العملية لأي نوع من المقايسات والأساسيات وإنما هي اجتهادات شخصية تختلف من أفراد لديهم خبرة إلى مؤسسات داخل المدينة وحتى على مستوى الدولة الواحدة. ومع أن المفروض أن يقوم بها أناس مشهود لهم بالخبرة المتراكمة ومعرفة السوق إلا أن بعض الدخلاء يستغلون هذه الحالات التي تتطلب الدوران حول الأنظمة. وهي تمر بممارسات خاطئة تشوه وتزعزع ثقة المواطنين والمؤسسات بصحتها, وبالتالي تترك وصمة على القطاع العقاري والاقتصادي للدولة. وتسببت الممارسات الخاطئة والتلاعب من فئة قليلة خلال السبعينيات الميلادية في المملكة العربية إلى توقيف الرهن العقاري وهو ما يعانيه الاقتصاد السعودي حتى الآن بسبب غلطة أفراد قلة وأثرت في الأغلبية بدلا من محاولة معاقبة المذنبين.
وأسس التقييم والتثمين عالميا لا يقوم بها إلا مؤسسات أو أشخاص مرخصون بعد اجتياز امتحانات نقابية, وترتبط معظمها بنظام جباية الضرائب, حيث إن جميع عقارات مواطني البلد يتم تقييمها من قبل جهة رسمية لمعرفة نسبة الضريبة عليها ولكل فرد أو مؤسسة على حدة. ثم تأتي بعدها ممارسة البنوك الرهن والتمويل العقاري, وبذلك فهي طقوس مسلم بها ومتفق عليها ولها أسسها العلمية والمهنية.
وترتكز عملية التثمين على معرفة الخواص الطبيعية للمبنى مثل تحليل الموقع لمعرفة مساحة الأرض ومساحة البناء واستعمال المبنى واستعمالات الأراضي حوله وإطلاله على الشوارع المحيطة ومدى الاستفادة من استغلال المبنى أو استثنائه من أنظمة البناء وحالته الإنشائية وجودته والعمر الزمني لمواد التنفيذ وأي مميزات إضافية. ثم تأتي الخواص المالية لها مثل طريقة التمويل والديون المتبقية ومعدل التأجير السنوي ومعدل الفائدة وتحليل التكلفة ومقارنتها بالبيع المباشر أو عن طريق الوسيط أو التسويق والإعلان والعائد الإيجاري الشهري والسنوي مع معدل فائدة وتضخم وربحي ورأس المال الإضافي المتحصل عليه بسبب حيازة المبنى. ثم تأتي الخواص القانونية لفك الرهن واحتمالات تغير الأنظمة البلدية للحي أو وجود كود للبناء.
لذلك فإنه لا بد من إيجاد مؤسسة أو هيئة مدنية لتتبنى عمليات الممارسة المهنية للتقييم والتثمين العقاري.
ومن الأخطاء الشائعة في الممارسة العربية للتقييم هو عدم الاهتمام بمواصفات كود البناء, الذي ما زلنا ننتظر ولادته المتعسرة, لذلك فإن معظم حالات التقييم تفتقد وضع النقاط التالية في الحسبان:
* فحص هندسي للخرسانة والأعمدة والأساسات لمعرفة العمر الزمني للخرسانة أو الحديد.
* تكاليف هدم وإزالة المخالفات للمباني الهالكة بغرض بناء مبنى جديد.
* نوع العزل المائي والحراري المستعمل وهل عليه شهادة فترة ضمان.
* جودة التنفيذ للهيكل والأسقف والرخام والتشطيبات والأنظمة وضمانات المقاول.
* وجود مخططات كما نفذت للمشروع وكتالوجات الصيانة.
* تكلفة التصميم والإشراف وإدخال الخدمات أو هدم الجبال والحفر.
* لا بد من احتساب ربح معقول للمالك يتعدى نسبة الفائدة الحالية والسعي.
* اعتبارات أخرى مثل تعرض المبنى للصيانة الدورية.
* مرونة المبنى للتعديل أو زيادة الأدوار أو مساحة البناء.
* توافر الخدمات حوله.
* مواصفات السلامة والحريق.
* التنسيق الخارجي والأسوار.
* في حالة التثمين عن طريق احتساب كميات مواد البناء في المبنى يجب ألا ننسى أن المالك تكلف كميات أكبر من الموجود ولكن بعضها تكسر أو تلف أثناء البناء, ولذلك يجب إضافة نسبة من 5 إلى 10 في المائة للتكلفة. وطرق التثمين تختلف من دولة إلى أخرى حسب الأنظمة الاقتصادية والمحاسبية التي تحكمها. ولها علاقتها القوية بموضوع التمويل والائتمان والقروض. لذلك فإن إيجاد هيئة أو جمعية وطنية تشرف على موضوع التثمين وتضع أساسياته وتراقبه أمر مهم لهذه الجزئية المهمة التي تؤثر في الاقتصاد الوطني. وهي مطلوبة للتأكد من عدم التصرف في موضوعات تهم القطاع العقاري ودون تحري الدقة في التأكد من مدى تأهيل المقيمين ومدى قانونيتهم وتأهيلهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي