هل بدأ التعافي الاقتصادي؟

سألت صديقنا المحامي الدكتور مجاهد الصواف، وكان قادما لتوه من مهمة عمل في لندن، عن آخر مستجدات الوضع الاقتصادي في بريطانيا، فقال إن أقل ما يمكن أن يوصف به سوء الوضع هناك، أن الاقتصاد البريطاني لن يتعافى هذا العام, وما زال أمامه سنوات صعبة. وكان هذا الصديق من أوائل من حدثوني عن إرهاصات أزمة المال الدولية بحكم طبيعة عمله وامتداد شبكة علاقاته الدولية التي أتاحت له الاطلاع على مقدمات بعض القضايا القانونية التي بدأت تفرزها الأزمة منذ ذاك.
وفي الأسبوع الماضي، نقل موقع الـ ''بي بي سي'' عن مجموعة من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أن الاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة 4.5 في المائة خلال هذه السنة، وهي أفدح خسارة لبريطانيا منذ عام 1945م. وتعد هذه التوقعات أكثر تشاؤما من النظرة السائدة، وأسوأ من نسبة الانكماش التي توقعتها الحكومة التي كانت لا تزيد على 3.5 في المائة. وكان عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا قد ارتفع إلى 2.38 مليون، ليرفع نسبة البطالة إلى 7.6 في المائة، وهي أعلى نسبة بطالة في بريطانيا منذ أكثر من عشر سنوات. كما زاد عدد المطالبين بإعانات البطالة ليصل إلى 1.56 مليون. وهذه الأرقام تدل على أن أصحاب العمل يقلصون الوظائف للحد من التكاليف نتيجة الركود الاقتصادي العالمي. وقد أظهر مسح أجرته الـ ''بي بي سي'' أن أربعة من كل عشرة بريطانيين يخشون من فقدان وظيفتهم في الظروف الحالية. ويبدو أن معدل البطالة لن ينخفض قبل أن يعود النمو الاقتصادي إلى معدله الطبيعي، وسيأخذ ذلك وقتا طويلا. ومن الواضح أن الاقتصاد البريطاني تعرض لصدمة كبيرة، وأنه غدا رجل أوروبا الأكثر مرضا. والخبراء حذرون فيما يتعلق بتعافي الاقتصاد وبمدى سرعة هذا التعافي، غير مستبعدين إمكانية النكوص! أما في ألمانيا وهي أكبر اقتصاد أوروبي، فقد أظهرت المؤشرات وجود فرص جيدة لأن تكون ألمانيا قد خرجت من الأزمة المالية في الربع الثاني من هذا العام، وأن الناتج المحلي الإجمالي استقر بشكل عام وأنه ربما يشهد نموا طفيفا. ومع أن الحكومة تتوقع انكماش الاقتصاد هذا العام بمعدل قياسي يبلغ 6 في المائة، إلا أن توقعات الناتج الصناعي والصادرات قد تحسنت. وكان مؤشر ''زيو'' لثقة المستثمر قد ارتفع إلى أعلى معدلاته في ثلاث سنوات خلال أيار (مايو) الماضي. غير أن وزارة الاقتصاد الألمانية أقرت بأن سوق العمل قد تشهد أوقاتا صعبة في الأشهر القليلة المقبلة.
وفي الولايات المتحدة ظهرت في حزيران ( يونيو) الماضي بعض المؤشرات الإيجابية. فقد لوحظ وجود خطط أكثر لبناء المنازل وتحسن في أسعار البورصة، كما قلت وتيرة عدد المتقدمين لطلب إعانات البطالة. وكان الرئيس أوباما قد قال الأسبوع الماضي خلال مقابلة تلفزيونية إن الإجراءات التي اتخذتها حكومته لتحقيق الاستقرار الاقتصادي أخذت تؤتي ثمارها على الرغم من التوقعات بارتفاع معدل البطالة عن 10 في المائة خلال أشهر. بيد أن الرئيس تخوف من عدم إحساس العاملين في ''وول ستريت'' بأي شعور بالندم لأخذ كل هذه المخاطر. وقال ''لا نلمس تغيرا في الثقافة والسلوك نتيجة لما حدث، ولهذا السبب تكمن أهمية اقتراحات الإصلاح التنظيمي المالي التي طرحناها''.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد قالت الأسبوع الماضي، إن بلادها لن تسمح للمراكز المالية في نيويورك أو في لندن أن تملي على الآخرين كيفية جمع الأموال ثم تتركهم يدفعون ثمن أخطائها. وأضافت ميركل أن ألمانيا ستسعى من خلال منتدى مجموعة العشرين للحث على قواعد أكثر صرامة لتنظيم الأسواق المالية.
أما في الصين، فقد أعلنت الحكومة الصينية أن اقتصادها نما بواقع 7.9 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي ويعد الاقتصاد الصيني هو الأفضل أداء بين الاقتصادات العالمية الكبرى. ويرجع محللون تحسن الأداء الاقتصادي الصيني إلى تطبيق الحكومة سياسة إنعاش اقتصادية ضخمة، حيث ضخت الحكومة 580 مليار دولار ضمن خطة تحفيز اقتصادية.
ما زالت صورة الاقتصاد العالمي غير واضحة. فالاقتصاد البريطاني عليل بشدة، والألماني يتحسن ببطء، والأمريكي يبعث إشارات متضاربة، والصيني أفضلهما. طريق تعافي الاقتصاد العالمي سيأتي من تخلي الدول المعتمدة على التصدير والادخار كالصين وألمانيا واليابان عن هذه السياسة وتشجيع الطلب الداخلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي