المواقع القديمة لمباني الخدمات أصبحت مواقعها استثمارية

إن المواقع الحالية لبعض المباني التي تمتلكها بعض الجهات الخدمية لها قيمة استثمارية عالية, فتلك المواقع تم اختيارها منذ عقود عندما كانت المدن صغيرة وكانت وقتها خارج المدن أو على أطرافها. وبعض تلك المباني كانت لها أهميتها آنذاك ومنذ أكثر من 50 عاما, ولكن هذه المباني الآن أصبحت تحتل مواقع مهمة وأسعارها عالية فهي على طرق وشوارع رئيسة, ما يجعل قيمتها الاستثمارية عالية جداَ مقارنة بما تقدمه من فائدة, فهي الآن يمكن بيعها أو إعادة ترميمها وتأهيلها ليتم تأجيرها بمبالغ عالية ومن ثم استئجار مبان لتلك الخدمة في مواقع أخرى أقل تكلفة أو إيجارا, وبذلك يمكن الاستفادة من الوفرة المالية لتقديم خدمات اجتماعية إضافية.
من الأمثلة على ذلك مبنى إسكان خيري لإحدى الجمعيات على شارع الضباب وتقاطعه مع الأمير محمد ( التحلية), مبنى في موقع استثماري عال (سعر المتر عشرة آلاف ريال تقريبا) يمكن للجمعية إعادة ترميمه أو إعادة تصميمه بالتعاون مع جمعيات أو بنك لتحويله إلى مبنى استثماري وتجاري, فالعائد منه سيكون عاليا لدرجة أنه يمكن بناء سكن آخر في موقع أقل تكلفة (سعر المتر لا يتعدى 600 ريال) أو استئجار مكان أكبر, بذلك تزداد فائدته ليعم خيره الكثير أو أن يكتفى بمبنى مقارب له, وأن تسخر بقية الاستثمارات لأعمال خيرية أخرى.
المثال الآخر هو مباني وزارة الشؤون الاجتماعية, وهي مبان في جميع أنحاء المملكة بنيت منذ عقود والآن مواقعها استراتيجية استثماريا مثل موقع إسكان الخدمة الاجتماعية على طريق الجامعة قريب من تقاطع التخصصي ووسط منطقة التقنية للمؤسسة العامة للتقاعد, وموقع مبنى الخدمة الاجتماعية على طريق خريص جانب نفق الحرس الوطني .. هل مطلوب أن تكون هذه المباني في هذه المواقع المهمة أم أنها نسيت منذ زمن ولم يفكر أحد في قيمتها الاقتصادية, وأن يتم التفكير في استثمارها وشراء أرض في مواقع أقل تكلفة أو حتى الاستئجار, وأن العائد من بيعها أو استثمارها سيحقق مزيدا من التوفير الذي يمكن تسخيره لأعمال وحاجات اجتماعية أخرى.
وليست هذه الظاهرة خاصة بتلك المباني الاجتماعية بل إنها تشمل حتى بعض المدارس الحكومية والمباني الخدمية لوزارة الشؤون البلدية والقروية وبعض مباني وزارة الدفاع والداخلية والمياه والحرس وحتى بعض الشركات والمؤسسات الخاصة, وهي جميعها مبان تم اختيار مواقعها منذ سنوات, وفي وقت كانت فيه أسعار الأراضي متدنية في تلك المواقع ولكنها اليوم أصبحت لها قيمة استثمارية عالية جدا.
وفي علم الاقتصاد هذه الظاهرة تعرف بمبدأ قيمة الفرص البديلة (أبورتونتي كوست), وهي أنه لو فكرنا في قيمة المبنى الآن ومن ثم قارناها بقيمة مبنى في موقع آخر يفي بالغرض ولكنه أقل قيمة, فإننا نستفيد أو نربح الفرق بين القيمتين.
حتى على مستوى الأفراد فهناك مبان متهالكة ومؤجرة بأسعار بخسة ربما لا تكون مربحة لكثرة ما تتطلبه من ترميمات ودهانات بعد خروج المستأجر, كما أن بعضها ما زالت من الصفيح والشينكو, ومعظمها نسيت وهي في مواقع مسموح فيها بالأدوار المتعددة, ومع ذلك هي كما هي منذ عقود, وهي مواقع نراها يوميا على الطرق الرئيسية. مبان متهالكة وتسيء لمظهر المدينة .. فهل أهلها غافلون عنها أو أنهم ليس لديهم المبالغ الكافية لإعادة تأهيلها؟ طبعا هناك كثير من المستثمرين الذين قد يسهمون معهم في الاستثمار.
قد يكون بعض تلك المباني مملوكة للدولة أو لجهات فيها بيروقراطية عالية, أو أن تكون وقفا, لكن كل ذلك لا يبرر عدم التحرك ووضع آليات لتدوير تلك المواقع ووضع آليات أو تأسيس شركات مساهمة لتطوير تلك المواقع التي يعجز أهلها عن تطويرها, فهي خسائر اقتصادية للوطن واستثمارها يساعد على إيجاد ربح ووفر ليتم تسخيره للعمل الاجتماعي بدلا من تعطيله لننام عليه.
بالطبع قامت وزارتا الصحة والثقافة والتعليم بالبدء في مشروع تأجير بعض تلك المباني مثل المدارس والمستوصفات التي كانت على الطرق العامة, وهو مشروع جيد ولكنه توقف لأسباب أو إجراءات رسمية أو لأسباب ظهور ممارسات غير جيدة, ويبدو لي أن الموضوع لا بد من إعادة النظر فيه مرة أخرى, وأن يدرس بطريقة نظامية وانضباطية تخدم المصلحة العامة.
أوضاع تلك المباني تحتاج إلى نظرة شمولية من المسؤولين عن المدن, فبعضها تشويه للمدينة وبعضها إهدار للمال العام لكونها تحتفظ بقيمة استثمارية يمكن الاستفادة منها. الموضوع يحتاج إلى دراسة جميع أنواع تلك المباني سواء المملوكة للقطاعين العام أو الخاص, وأن يتم تصنيفها حسب إمكانية استثمار كل نوع منها حسب ظروف ملكيته أو قانونية التدخل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي