المشهد الائتماني في السوق السعودية

حينما تكشفت ذيول أزمة المال العالمية، تمنيت أن نتروى عن التصريح بعدم تأثرنا بها. فطبيعة تشابك وتعقد العلاقات المالية والاقتصادية بين دول العالم اليوم، فضلا عن ارتباطاتنا المالية والاقتصادية بمركز الأزمة في الولايات المتحدة – سواء على مستوى المؤسسات العامة أو بعض الشركات الخاصة - يجعل من الصعب تصور انفلات اقتصادنا من بعض هذه الذيول. وتمنيت أيضا أن تلتزم مؤسساتنا العامة وبنوكنا التجارية وشركاتنا الخاصة بأقصى درجات الإفصاح والشفافية، وأن تكشف سريعا عن مدى تورطها في عقود خاسرة أو قروض عاثرة أو أصول بائرة. من الخير لنا الالتزام بثقافة الإفصاح على المستويات الحكومية والخاصة كافة، لأن عدم وضوح الرؤية يبقي المعنويات ضعيفة ويفقد ثقة المستثمرين بالبنوك والاقتصاد.
لكن منذ بداية هذه وحتى الآن، كانت البيانات عن وضع مؤسساتنا العامة وبنوكنا وشركاتنا الخاصة ضئيلة أو معدومة. ثم أخذت بعض المشكلات تظهر على السطح. ومنها إخفاقات مالية لمجموعتين تجاريتين كبيرتين في المنطقة الشرقية، بلغ حجم قروضهما المستحقة للمصارف العالمية والخليجية ما بين 15 و16 مليار دولار وفقا لتقديرات موقع بلومبيرج . ولم تكن الصورة واضحة حتى عن نوعية الأصول الداعمة للقروض التي تلقتها هاتان الشركتان.
هذه الأزمة تكشف عن دروس متعددة يجب الاستفادة منها. منها ضرورة وضع ضوابط على قدرة الشركات التجارية الخاصة على الاقتراض. ذلك أن تورط بعض الشركات العائلية في قروض ضخمة ربما استخدم بعضها في غير الغرض الذي منحت من أجله، أو استخدمت في عمليات استثمارية عالية المخاطر، أدت إلى إخفاقها عن الوفاء بديونها. هذه حالة تنبهنا إلى ضرورة تبني أنظمة جديدة تلزم كل مؤسسة يتعدى رأسمالها 50 مليون ريال مثلا بضرورة التحول إلى شركة مساهمة مقفلة أو عامة، والخضوع لضوابط إفصاح أكبر. فكما أن تعثر بنك ما قد يؤثر في مجمل الجهاز المصرفي، كذلك يمكن - مع الفارق - لتعثر بعض شركات القطاع الخاص عن الوفاء بديونها أن يترك أثرا سلبيا في صحة مجمل بيئة الأعمال. وقد لاحظت قلقا عميقا لدى بعض رجال الأعمال من إخفاق بعض هذه الشركات، نظرا لما طال سمعة بقية الشركات السعودية محليا ودوليا.
وها نحن نتابع مشهد الاختناق الائتماني في اقتصادنا على الرغم من توافر السيولة. صحيح أن بعض اللوم يقع على بعض مؤسسات قطاع الأعمال لتراخيها في مسألة إصلاح هياكلها، الأمر الذي جعل البنوك تحجم عن تمويلها. إلا أن بعض اللوم يقع أيضا على البنوك ذاتها، فقد أسهمت في تكوين هذا المشهد، نظرا لفشلها في تقدير مخاطر بعض القروض بطريقة مهنية سليمة، عندما منحت بعض هذه القروض بضمانات ضعيفة أو اعتمادا على السمعة التجارية.
والأمر لا يتعلق بالشركات الكبيرة فقط بل حتى المنشآت الصغيرة ـ وهي الأكثر عددا ـ تواجه صعوبات تمويلية جمة. فقد ظهرت مؤشرات على أن حجم هذه المشكلة عندنا أكبر من غيرنا. وعلينا عدم إهمال المشكلات التمويلية التي تواجهها نحو 740 ألف منشأة صغيرة في بلادنا، في ظل اقتصار التمويلات المتوافرة على نحو 2 في المائة منها فقط. وقد نقل عن أحد المحامين قوله إن عدم قدرة المنشآت على الحصول على التمويل اللازم لها، فضلا عن الصعوبات التي تواجهها عند تعاملها مع الجهات الحكومية يعدان أهم عقبتين تواجهان مجتمع شباب الأعمال.
في أوقات الأزمات الاقتصادية لابد من لجنة طوارئ دائمة لها صلاحيات واسعة تقوم بجهود إضافية وقرارات استثنائية. ويكون ضمن مهامها استحداث ما تقتضيه الظروف من تنظيمات، والعمل على إتاحة المعلومات، ومساعدة الشركات على ما يعينها لإعادة هيكلة الذات، وعند الحاجة النظر في كيفية إقالة العثرات، حماية ً للاقتصاد من انتقال هذه الآثار السلبية إلى وحدات أخرى. ومن المهم أن يكون لها متحدث رسمي يعمل كقناة اتصال بينها وبين مجتمع الاقتصاد ليبدد الهواجس ويقضي على الإشاعات بمعلومات موثقة ودقيقة. وحبذا لو كان لهذه اللجنة قوة اللجنة الوزارية المصغرة التي تجتمع أسبوعيا في الديوان الملكي لمناقشة ما يحال إليها من قضايا من مجلس الوزراء. يبدو لي أحيانا أن المشهد الاقتصادي والائتماني العام يفتقر لمايسترو ينظم أطرافه. أتمنى أن نسبق الأحداث وألا يطول انتظارنا لإجراءات تعالج ما أصاب اقتصادنا من اختناقات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي