الهيئة العامة للسياحة والآثار نموذج للعمل الحكومي الفاعل

ضمن مجموعة من كتاب "الاقتصادية" زرت يوم السبت الهيئة العامة للسياحة والآثار وكانت زيارة إثراء معرفي تم خلالها إطلاعنا على نشاطات الهيئة المتعددة والتي تصب في عملية تنشيط السياحة كقطاع مهم من قطاعات الأعمال, وتحقيق نفع قيمي لسياحة المواطن في بلده. وفي ختام الزيارة كان لنا لقاء مع الأمير سلطان بن سلمان الذي أسهب في الحديث عن استراتيجيات الهيئة وتحدياتها وإنجازاتها وطموحاته والعاملين معه إلى تحقيق رؤية يشتركون فيها وهي "أن تكون الهيئة, الداعم الأساسي لإحداث التنمية السياحية المستديمة التي تتماشى مع الثوابت الإسلامية والقيم الاجتماعية والثقافية والبيئية السائدة في المملكة".
في هذا المقال لا بد من الثناء على قيادية الأمير سلطان بن سلمان التي تجلت بوضوح في كفايات القيادات الإدارية في الهيئة وقدرته على اختيارهم واستقطابهم, ومن ثم تشبيعهم فكرياً برؤية الهيئة وتطلعاتها, وتمكينهم من الأدوات والموارد, وتحميلهم مسؤولية ذلك, لذا برزت كفاياتهم بصورة نشاط منظم متجانس ومتضافر. يذكرني أسلوب الأمير سلطان بن سلمان القيادي بمقولة لأسطورة الإدارة في القرن العشرين جاك ولتش Jack Welch عندما سئل عن سر تفوق شركات وقطاعات جنرال إليكترك على منافسيها قال "إن ذلك يرجع إلى مبدأ بسيط في توظيف القيادات حيث اختارهم بعناية وأتأكد من تشبعهم بفكرة التفوق والنزاهة وتطلعات الشركة ثم أمكنهم من أعمالهم وصلاحياتهم وأحملهم مسؤولية ذلك كله وبعد ذلك أتركهم يتصرفون بحرية", هذا هو بالضبط ما لمسناه في الهيئة.
عرض الدكتور عبد الله الوشيل بإيجاز خطة الهيئة في تطوير وتهيئة الموارد البشرية الوطنية للعمل في قطاعات السياحة, وكان إيجازه في حاجة إلى إطناب, فما بذلته الهيئة في هذا الصدد حري بأن يصاغ كاستراتيجية تهيئة عامة يستفيد منها جميع القطاعات. وأدعو المسؤولين في وزارة العمل للاستفادة من استراتيجية الهيئة في توطين الوظائف في القطاعات السياحية كنموذج لسياسة وتفعيل السعودة. وللهيئة جهد مشكور في إنشاء أجهزة السياحة في إمارات المناطق والتنسيق معها في سبيل تنشيط الطابع السياحي لكل منطقة, كما ذكر الدكتور خالد طاهر. أما الدكتور صلاح البخيت فقد استرسل في إطراء الفرص الاستثمارية التي تنتظر المستثمرين, وشدد على استعداد الهيئة على إمداد المستثمرين بالمعلومات والدعم الفني والاستشاري. لقد سرنا جميعاً الحماس والنشاط الذي يبدو على جميع المسؤولين الذين التقيناهم, وحتى لا أبخس كل من أسهم في إثراء معرفتنا السياحية لا بد من الإشادة بماجد الشدي والدكتور عبد الله الجهني والدكتور علي غبان, فكل منهم كان مثالاً نتمنى أن يكون عليه المسؤول الحكومي, هذا إلى جانب بيئة العمل, فمن يجول داخل مبنى الهيئة يخال نفسه في مرافق شركة عالية الكفاءة, فالمساحات مستخدمة بصورة اقتصادية والخدمات مشتركة بفاعلية والتقنية حاضرة في كل تطبيق والهواء نظيف والرائحة عبقة والإضاءة مبهجة.
قبل جولتي هذه في الهيئة كنت ممن قد تبلور في ذهنه صورة نمطية عن السياحة الداخلية مضمونها "أن السائح السعودي هو باحث عن المتعة والراحة والخدمة وهو ما يتعذر تحقيقه كصناعة في المجتمع السعودي لوجود معوقات تكوينية أصلية وأن جهود الهيئة مهما بلغت لن تكون إلا كصرخة في واد سحيق", بهذه الزيارة تبدلت الصورة السلبية إلى مضمون واقعي إيجابي وهو أن السياحة نشاط ترويحي وإثرائي ثقافي وخدمي, والمواطن السعودي والمقيم في حاجة إلى مرافق متكاملة ومتساندة كبنية أساسية لتحقق له تلك التجربة, لذا يأتي دور الهيئة في لعب دور المحفز والمشجع والميسر والمنسق لتكوين تلك البنية وتنشط على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سبيل التعامل مع العقبات التكوينية للمجتمع, فالمجتمع محافظ وفيه فئة تتحسس من النشاطات الاجتماعية ذات الصبغة الترفيهية والمجتمع حديث المدنية فلم يبلغ تكوين معظم مدنه وحواضره قرنا, لذا فمفهوم الخدمة كنشاط اقتصادي لا يزال خيارا ثانويا للمستثمرين وغير مستساغ ومحرجا لدى فئة من المجتمع, كما أن التكوين الأسري لدى كثير من فئات المجتمع يعوق النشاطات الأسرية المشتركة. للتعامل مع هذه المعوقات وتحييدها هناك حاجة إلى جهد دؤوب يسمو فوق الانتقاد والإحباط وينشد الرؤية, وهو ما لمسناه لدى رئيس الهيئة ومعاونيه من التنفيذيين. البرامج التي طورتها الهيئة كثيرة وشاملة لأرجاء الوطن, والسياسات والخطط المنظمة لقطاعات السياحة مفصلة وشاملة, والمرافق السياحية والأثرية التي تشرف الهيئة على تنشيطها كثيرة. ويضيق هذا المقال عن التفصيل في جهود الهيئة المحمودة في تهيئة المناخ للبذل في هذا القطاع والذي عند تفعيله بصورة مرضية سيكون من أكبر القطاعات الاقتصادية إضافة إلى القيمة في مجمل الناتج المحلي.
الرسالة واضحة وهي أن عقال السياحة كنشاط قد انطلق وبات على المجتمع التعامل بصورة إيجابية مع ذلك, فالمستثمرون مطالبون بالإبداع في إنشاء المرافق وتطوير الموارد وترشيد التكاليف, والشباب الباحث عن فرص العمل والنماء مطالبون باقتناص الفرص في هذه المجالات والتميز فيها, والأسر مطالبة بالاستفادة من تلك الإمكانات وارتيادها والتمتع بها, والمحافظون المشفقون على المجتمع من التغير عليهم قبول حقيقة أن التغير طبيعة بشرية لا محظور فيها طالما بقيت ضمن الأطر الحافظة للعقيدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي