أهي ساعة آسيا؟
مع خروج آسيا من الأزمة الاقتصادية العالمية بسرعة أكبر من بقية مناطق العالم، بات من الواضح على نحو متزايد أن مركز ثِقَل العالم قد بدأ في التحول من الأطلنطي إلى الباسيفيكي. ومن الواضح أيضاً أن بلدان آسيا ليست مستعدة أو جاهزة بعد لتولي ذلك النوع من الزعامة الأكثر تأثيراً في الشؤون العالمية والذي سيكون ضرورياً لضمان نجاح هذا التحول الهائل في جعل العالم مكاناً أكثر استقراراً وأمناً. والواقع أن الدول الآسيوية لديها فرصة هائلة للنهوض بهذا التحدي.
إن الإشارات الدالة على نهضة آسيا لا لبس فيها. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية سجلت مساهمة الصين في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي زيادة مطردة من الخمس إلى الثلث، ومساهمة الصين من 6 في المائة تقريباً إلى 16 في المائة. ونظراً لتنامي تأثير هاتين الدولتين على الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، بل والبيئة العالمية، فقد بات من المستحيل الآن أن نتخيل أي اتفاق دولي رئيس من دون مشاركة الصين واليابان والهند.
لقد برزت الصين بصفة خاصة باعتبارها الند الرئيس للولايات المتحدة في جميع المنتديات العالمية تقريباً، فضلاً عن المحافل الدولية التي تناقش القضايا الحساسة العابرة للحدود الوطنية، بداية من المحادثات السداسية مع كوريا الشمالية ومجموعة العشرين إلى المحادثات الخاصة بقضية تغير مناخ العالم. بل إن بعض المراقبين يدعون إلى تأسيس مجموعة الاثنتين المؤلفة من الولايات المتحدة والصين.
إن النفوذ الجديد الذي تتمتع به آسيا الآن يبشر بالخير العميم. فإذا ما تزايد الاستهلاك المحلي في آسيا، على سبيل المثال، فسوف يقل اعتماد الاقتصاد العالمي على الاستهلاك المفرط من جانب الأمريكيين المثقلين بالديون. وهذا من شأنه أن يساعد اقتصاد بلدان العالم كافة. وإذا ما التزمت البلدان الآسيوية غير اليابان بحدود ملزمة للانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي فإن التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ سيكون في حكم الإمكان في قمة كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر)، حتى ولو كان السقف الذي ستحدده آسيا النامية للانبعاثات الغازية أكثر تدرجاً من السقف الذي ستحدده بلدان العالم المتقدم.
فضلاً عن ذلك فإذا ما تولت الصين والهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا زمام المبادرة فيما يتصل بالترويج لحل عادل لقضية شعب بورما/ ميانمار، أو إذا ما أثبتت الصين قدراً أعظم من الاستعداد للضغط على كوريا الشمالية فيما يتصل ببرنامج الأسلحة النووية، فسوف يكون بوسع هذه البلدان أن تثبت أن العالم الذي يحتوي على أصحاب مصالح متعددين أكثر أماناً من العالم الذي تقوده قوى عظمى منفردة.
إن منتقدي سجل أمريكا باعتبارها قوة عالمية مهيمنة يطرحون حججا قوية ضد العالم الأحادي القطب. والحقيقة أن التدخل الأمريكي في فيتنام ثم في العراق، ومعارضتها لبروتوكول كيوتو واستهلاكها النهم للموارد الطبيعية، والدور الذي لعبته في خلق الأزمة المالية الحالية، والانتهاكات التي ارتكبتها في أبو غريب، وغير ذلك الكثير، يسلط الضوء بقوة على سجل أمريكا المعيب.
بيد أن تراث أمريكا فيما يتصل بالزعامة العالمية على مدى العقود الستة الماضية غير مسبوق من حيث تأثيره الإيجابي النسبي. فقد لعبت أمريكا دوراً رائداً في إنشاء الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والقوانين الإنسانية الدولية وقانون حقوق الإنسان. كما عملت أمريكا على إعادة أعدائها في الحرب العالمية الثانية إلى الحياة وعززت التنمية الاقتصادية في مختلف بلدان العالم، وأنشأت المظلة الأمنية التي ساعدت أوروبا وآسيا على التركيز بصورة أكبر على الدبلوماسية والنمو الاقتصادي وليس على التنافس العسكري. كما فتحت أسواقها وأرست أسس العولمة وثورة المعلومات، وأبقت الممرات البحرية مفتوحة أمام التجارة الدولية، وحفزت الثورة الخضراء.. والقائمة تطول.
غير أن الولايات المتحدة ربما لا تظل محتفظة بمركزها الذي لا يضارعها فيه أحد لقيادة المجتمع الدولي، حتى في ظل الزعامة الملهمة المتمثلة في الرئيس باراك أوباما، وذلك بسبب الضعف الذي اعتراها بفعل الأزمة المالية، والديون الثقيلة لدول أجنبية، ومستنقع العراق، والتحديات الكبرى في أفغانستان وباكستان، والإحساس بتضاؤل قوتها المعنوية.
ورغم الوعود المتنامية المتمثلة في عالم متعدد الأقطاب، حيث تلعب القوى الآسيوية دوراً أعظم في معالجة التحديات العالمية وتتقاسم الزعامة مع الولايات المتحدة المنهكة، فإن هذا العالم لا وجود له بعد. فربما تدرك أمريكا حدودها الجديدة، ولكن حتى الآن لم ينشأ أي نظام جديد لسد الفراغ. وإذا كان للدول الآسيوية أن تضطلع بهذا الدور فلابد أن تبذل المزيد من الجهد لمعالجة التحديات الإقليمية التي تواجهها وتعزيز مجموعة أساسية من القواعد العالمية الإيجابية.
إن الدول الآسيوية قادرة على تقديم المزيد، على سبيل المثال في مواجهة النزعة القومية الخطيرة التي لا تزال قائمة في آسيا. فعلى النقيض من أوروبا التي تخلصت من أشباحها التاريخية بعد عام 1945، ما زالت بلدان آسيا غارقة في نزعة قومية أشبه بما كانت عليه الحال في القرن الـ 19، وهي النزعة التي لابد أن تضعف احتمالات التعاون وتجعل المنطقة أشد خطورة مما ينبغي لها. والحقيقة أن العديد من العلاقات الثنائية، بين الصين واليابان، واليابان وكوريا، والهند وباكستان، وسنغافورة وماليزيا، قد تكون وثيقة إلى حد كبير على بعض المستويات، ولكنها تظل منقسمة إلى حد خطير على مستويات أخرى.
فضلاً عن ذلك فإن الدول الآسيوية من الممكن أن تعمل بقدر أعظم من الحزم في مواجهة القضايا الإنسانية في ساحاتها الخلفية ـ وخاصة في أماكن مثل بورما وكوريا الشمالية ـ وفي الاضطلاع بدور رائد في المفاوضات الخاصة بتغير مناخ العالم. إن الولايات المتحدة توفر على سبيل المثال 50 في المائة من المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة، و20 في المائة من إجمالي التكاليف التي تتحملها الأمم المتحدة. والصين التي من المنتظر قريباً أن تصبح صاحبة ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم، لا تقدم سوى 0.7 في المائة من المساعدات الغذائية و2 في المائة فقط من إجمالي التكاليف التي تتحملها الأمم المتحدة. ولقد أظهرت اليابان زعامة حقيقية في هذين المجالين، غير أن قِلة من البلدان الأخرى في المنطقة أظهرت شعوراً مماثلاً بالمسؤولية العالمية.
يتعين على الدول الآسيوية أيضاً أن تعمل على تعزيز الهياكل الإقليمية الآسيوية الباسيفيكية مثل منظمة آسيا ومنطقة الباسيفيكي للتعاون الاقتصادي APEC والمنتدى الإقليمي التابع لرابطة دول جنوب شرق آسيا، وذلك لضمان قدرٍ أعظم من التعاون فيما يتصل بالقضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ورغم الشوط الطويل الذي قطعته بلدان منطقة آسيا والباسيفيكي في هذا المجال فإن الهياكل الإقليمية ما زالت بعيدة كل البعد عن اكتساب مركز قوي أشبه بمركز الهياكل الأوروبية الأطلنطية. وإذا كان للقرن الـ 21 أن يصبح قرناً تابعاً لمنطقة آسيا والباسيفيكي فلابد لهذه الهياكل أن تكتسب مثل هذا المركز القوي.
وإلى أن تحدث مثل هذه التغيرات، فإن العديد من التحديات ستسقط عبر الشقوق والصدوع القائمة بين ''السلام الأمريكي'' المجهد ومحاولات إعادة التوازن إلى العالم. ويتجلى هذا واضحاً في عجز العالم عن التعامل بفعالية مع قضايا مثل بورما، وكوريا الشمالية، ودارفور، وزيمبابوي، وتغير المناخ، والانتشار النووي.
يتعين على جميع بلدان العالم أن تعمل معاً من أجل تنقيح نماذج التعاون الدولي على النحو الذي يضمن قدرة هذه النماذج على استيعاب التحول العالمي في القوة الاقتصادية. وإلى أن تظهر هذه البنية فلا نملك إلا أن نرجو أن تتمكن أمريكا من القيادة الحكيمة وأن تتولى بلدان أخرى، وخاصة القوى الناشئة في آسيا، قدراً أعظم من المسؤوليات الحقيقية في إدارة الأزمة العالمية.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org