أهمية اتفاقية التجارة بين دول التعاون و«إيفتا»
يشكل إبرام اتفاقية للتجارة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية والمعروفة اختصارا باسم ''إيفتا'' تطورا نوعيا بالنسبة لسياسة التجارة الخارجية لدول التعاون. وجاء توقيع الاتفاقية الأسبوع الماضي في مدينة هامر شرق العاصمة النرويجية أوسلو ترجمة لمشروع عقد اتفاقيات للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست مع التكتلات الإقليمية من جهة والدول الأخرى بشكل منفرد من جهة أخرى. وربما تساعد الاتفاقية في تحقيق الهدف الأسمى وهو إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي.
تهدف الاتفاقية مع رابطة ''إيفتا'' إلى تحرير التبادل التجاري وتكامل الأسواق وتغطي تجارة السلع والخدمات والمنافسة وحماية حقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية وآليات تسوية المنازعات. ومن شأن الاتفاقية تعزيز التبادل التجاري بين التكتلين الاقتصاديين من حاجز سبعة مليارات دولار في عام 2008.
اقتصاديات حيوية
حقيقة القول، لا تضم رابطة ''إيفتا'' كبريات الاقتصاديات الأوروبية لكنها تضم دولا مهمة بالنسبة للاقتصاد العالمي. تتشكل رابطة ''إيفتا'' من سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة ليختتشتاتين. يلعب الاقتصاد السويسري دورا حيويا على صعيد الاقتصاد العالمي, وخصوصا في مجال قطاع الخدمات المالية في ظل نظام السرية المصرفية. إضافة إلى ذلك، تتمتع النرويج بثالث أعلى دخل للفرد استنادا لمفهوم القوة الشرائية على مستوى العالم بعد لوكسمبورج والولايات المتحدة. بدورها تحتل أيسلندا المرتبة الأولى عالميا على مؤشر التنمية البشرية لعام 2008 الصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
من جملة الإيجابيات، تشكل الاتفاقية دليلا ماديا على موافقة بعض الاقتصاديات الأوروبية على القوانين التجارية المطبقة في دول مجلس التعاون. بمعنى آخر، فإن بعض الدول الأوروبية مثل سويسرا والنرويج مطمئنة للقوانين والإجراءات التجارية في دول مجلس التعاون ما يعبث رسالة اطمئنان للدول الأخرى. كما تعد الاتفاقية دليلا ماديا على قدرة دول مجلس التعاون للوصول للقارة الأوروبية.
توحيد التجارة الخارجية
جاءت اتفاقية التجارة الحرة مع رابطة ''إيفتا'' ترجمة عملية لوثيقة سياسة التجارة الموحدة التي أقرتها دول مجلس التعاون الخليجي في القمة الـ 26 التي عقدت في أبو ظبي في نهاية عام 2005. واكتسبت الوثيقة أهمية خاصة بعد إبرام كل من البحري وعمان بشكل منفصل اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس أصبح لزاما على دول المجلس السعي لتنفيذ اتفاقيات للتجارة الحرة بشكل جماعي وليس آحاديا. وكانت دول المجلس قد أبرمت وبشكل جماعي اتفاقية للتجارة مع سنغافورة في نهاية عام 2008 الأولى من نوعها بشكل للدول الست بشكل جماعي. تحتل الاقتصاديات الخليجية المرتبة السابعة من حيث الأهمية النسبية للتجارة الخارجية لسنغافورة. يشار إلى أن دول المجلس التعاون توفر 40 في المائة من الواردات النفطية لسنغافورة.
كما بدأت دول التعاون مفاوضات تجارية مع العديد من الدول الأخرى من بينها أستراليا ونيوزيلندا والصين وتركيا وباكستان. كما قبلت دول المجلس عرض إيران لإجراء مفاوضات لغرض الوصول إلى اتفاقية للتجارة بين الجانبين. ومن المتوقع أن تعمل إيران على بذل جهود إضافية في هذا الصدد نظرا لحاجتها إلى إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية وخصوصا البطالة. وقد كشفت تداعيات الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد أن العاطلين كانوا يشكلون عصب الذين شاركوا في المظاهرات والصدامات مع القوات النظامية.
معضلة الاتحاد الأوروبي
نأمل أن تسهم اتفاقية التجارة الاتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع رابطة ''إيفتا'' في تعزيز فرص إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وكانت المحادثات بين الطرفين بشأن إنشاء لمنطقة الحرة في عام 1988 لكنها فشلت في إحراز تقدم يذكر بسبب إصرار الجانب الأوروبي على الإتيان بأمور جديدة بين الحين والآخر قبل الموافقة على التوقيع على إنشاء منطقة للتجارة الحرة, فقد أدخل الأوروبيون في بعض الفترات متغيرات جديدة مثل عدم إساءة استخدام البيئة, وضرورة منح الأقليات الموجودة في دول الخليج حقوقهم, وبالتأكيد كانت هناك المسائل الاعتيادية مثل حقوق الإنسان والإصلاح السياسي.
يبقى أن الاتحاد الأوروبي على دراية بأن الجانب الخليجي يرغب في إنهاء المفاوضات ولأسباب وجيهة. فمن شأن إنشاء منطقة للتجارة الحرة فتح المجال أمام الصادرات الخليجية على أكبر سوق في العالم (يمثل حجم الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة أكبر اقتصاد في العالم أي أكبر من أمريكا أو اليابان). يمثل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي, بينما تمثل المجموعة الخليجية خامس أكبر سوق للصادرات الأوروبية. يضم الاتحاد 27 دولة وهي النمسا، بلجيكا، بلغاريا، قبرص، التشيك، الدنمارك، استونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، المجر، أيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورج، مالطا، هولندا، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، وإنجلترا.
ختاما: ندعو الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى العمل بلا كلل أو ملل من أجل التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي نظرا للأهمية النسبية الكبيرة للجانب الأوروبي على صعيد الاقتصاد العالمي.