سفراء النوايا الحسنة
بين فينة وأخرى نقرأ أن إحدى الشخصيات المشهورة قد حظيت بشرف سفارة النوايا الحسنة. ومعظم هؤلاء من الممثلين والمطربين والرياضيين المرموقين. وعندما نتأمل في هذه الظاهرة نلاحظ أن معظم سفراء النوايا الحسنة ينتمون إلى دول نامية فهم أبناء دول ليس لها في العير ولا النفير، دول ليس لها وزن سياسي، وليس لها صوت مؤثر في مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو حتى مجرد بعض الثقل في الصندوق والبنك الدوليين.
والحقيقة أنه بعد أكثر من ستين عاما على بدء نشاط الأمم المتحدة والصندوق والبنك الدوليين، أيقن العالم أن المنظمات الثلاث هي مؤسسات أمريكية بقبعة دولية زرقاء فالقرار في البنك الدولي أمريكي مائة بالمائة لأن مديره أمريكي على علاقة وثيقة بصناع السياسة الأمريكية. وصندوق النقد الدولي هو البوق الذي يبث الأفكار الاقتصادية الأمريكية . وهو صاحب الوصفات الاقتصادية الأمريكية الشهيرة مثل الخصخصة وبيع الخدمات وسحب يد الحكومة من الدعم وإعادة هيكلة اقتصادات الدول التي وقعت تحت السيطرة الشيوعية فترة من الزمن . وكانت قروض تسوية موازين مدفوعات الدول تتوجه بحسب درجة طاعة أو استجابة الدول النامية للوصفات السحرية. أما هيئة الأمم المتحدة فهي المنبر الذي تعلن منه أمريكا توجهاتها والساحة التي تجند فيها حلفاءها للتأديب والغزو والتخويف والاستقطاب.
وقد تبرمت دول عديدة من هذا الشعور بالدونية، وبأنها قطع شطرنج تلهو بها واشنطن. فكان الحل الرائع هو اختيار نجوم ليشغلوا مناصب سفراء النوايا الحسنة. وهذا المنصب ما هو إلا وسام أدبي ليس له أنياب ولا مخالب ولا قيمة على الإطلاق. وأقصى ما يحلم به سفير من هؤلاء ليقدم أوراق اعتماده هو المشاركة في حملة لمكافحة مرض أو محو أمية أو لرعاية الأيتام. ولو أردنا الخوض قليلا في علم دلالات الألفاظ Semantics لأدركنا أن النوايا الحسنة لها معاني مختلفة لدى شعوب مختلفة ففي مصر يقولون "راجل على نياته" أي أنه طيب لا يضمر لأحد شرا وهو بالتأكيد صاحب نوايا حسنة، وفي أوروبا تعني الكلمة "أن حاملها يتمتع بنزعة متفائلة ورغبة صادقة في عمل الخير". أما أمريكا فهي نموذج حضارة الإنجاز المادي الفعلي، وما يُقال عن النوايا يصلح للتصدير للدول التي تعشق المسميات والألقاب وكل ما يحدث قعقعة دون طحن.
ورغم ذلك نحن لا نقلل من شأن حملة هذه الألقاب، فلا شك أنهم لبسوا ثياب الفخار عن استحقاق لما أنجزوه وقدموه، ولكن يبقى السؤال الذي ينبغي أن يطرحوه على أنفسهم: هل سيقدمون شيئا ملموسا بحيث تصبح ساحة دبلوماسية النوايا الحسنة رحابا حقيقة للعطاء؟ أم أنهم سيكتفون بالجانب الديكوري منها؟
إن العالم بأسره يريد القضاء على التوتر ليعيش الناس في سلام ولكي ينجحوا جميعا في التصدي للتحديات العديدة مثل نقص المياه وتلوث البيئة وشح الموارد وهجمات الأمراض والأوبئة وإنقاذ البؤساء في الدول الفقيرة من ويلات الفقر والجهل والمرض. ومن هنا زاد الحديث عن بناء جسور التفاهم التي عجز الساسة عن بنائها لارتباطهم الحرفي بمصالح بلادهم دون غيرها. ومن هنا أصبح مصطلح الدبلوماسية الشعبية من المصطلحات التي تتردد كثيرا على ألسنة العاملين في بناء الجسور.
فهل ينضم سفراء النوايا الحسنة إلى سفراء الدبلوماسية الشعبية لجعل عالمنا أجمل وتحويله إلى حديقة غناء حيث يزرع الناس التفاح ويربون نحل العسل وينهلون من خيرات الأرض تحت مظلة الوئام والسلام؟
لعلها أفكار تغلب عليها النوايا الحسنة.