استراتيجية الارتباط الصناعي

في المقال السابق تحدثت عن محورين مهمين في دفع الاستراتيجية الصناعية وهما الميزتان التنافسيتان للاقتصاد الصناعي في المملكة وهما بناء الصناعات المعتمدة بشكل كبير على الطاقة Energy Intensive Industries، والأخرى توسيع قاعدة الصناعات البتر وكيماوية وذلك بتقليل تكلفة المواد الأولية على المنتجات الثانوية Down stream، وفي هذا المقال سأقوم بذكر بعض المشاريع الاستراتيجية والتي أعتقد أنها مهمة لأي اقتصاد يخطط لأن يكون اقتصاداً معتمداً على الصناعة.
أولى هذه النقاط وأكثرها أهمية هو بناء شبكة سكك الحديد على مستوى المملكة، وهنا أقول إنه لن تقوم صناعة منافسة عالمياً ما لم يتم بناء شبكة سكك الحديد،إن دولاً صناعية كبرى مثل بريطانيا ما نمت وانتشرت صناعتها عالمياً إلا بعد بناء شبكة القطارات، والسبب في ذلك أن شبكة سكك الحديد ستقلل من تكلفة النقل بشكل كبير، و مقدار التوفير الذي أقصده هنا قد يصل في بعض الصناعات إلى نسبة 90 في المائة، وهذا رقم حقيقي وليس مبالغا فيه، ولكن للأسف كثير من الصناعيين لا يعرف قيمته، ولو علموا فائدته الحقيقية في تعظيم أرباحهم ما توقفوا عن المطالبة بإنهاء مشاريع القطارات. وإذا ما أثبتنا هذه النقطة فإن بعض الصناعات التي لا توجد لها جدوى في عملية التصدير، ستتغير المعادلة بالنسبة إليها وتصبح قادرة على التصدير ودخول أسواق جديدة. كما أنها ستساعد المصانع السعودية على تقديم منتجاتها بأسعار تنافس المنتجين في الدول الأخرى. أما إذا استطعنا ربط هذه السكك الحديدية بأسواق الإمارات وقطر والكويت، فإني أتحدى أي مصنع في أي دولة أخرى أن يبيع منتجه بسعر أقل من سعر المصانع السعودية وخاصة لمواد البناء إذا ما أخذنا منتجات بنفس الجودة. كما أريدك عزيزي القارئ أن تتخيل أي منتج يريد الوصول إلى دبي أو جبل علي قادماً من أوروبا، أو يريد الاتجاه شمالاً نحو العراق، ذلك البلد الواعد مستقبلاً، فإنه من الأسرع له أن يمر عبر شبكة سكة القطارات السعودية، ولك أن تتخيل حجم الاستفادة من مرور هذه الحركة التجارية عبر أراضي المملكة.

إنه مما أحزنني تأخير تنفيذ بعض مشاريع سكك الحديد في المملكة خصوصاً وفي دول الخليج عموماً وذلك بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية. إنه لمن المتفق عليه أن شبكة سكك الحديد سيتم بناؤها حالياً أو مستقبلاً، وأنها مشروع مهم لن يتم الاستغناء عنه وذلك لأهميته الاستراتيجية للمملكة. فإني أعتقد أنه لن يكون هناك وقت أفضل من الوقت الحالي لتنفيذه، فأسعار المواد الأولية أقل تكلفة، والمقاولون العالميون في أشد الحاجة إلى مشاريع يعملون بها فستكون تكلفة تنفيذ المشروع أقل مما يمكن تصوره، وستنعكس تكلفته القليلة على مدى فترة تشغيل القطارات وذلك بتقليل مدة استرداد رأس المال، فسيكون العائد على المستثمر أفضل مما لو نفذ في وقت سابق. لكن تبقى مشكلة التمويل هي المشكلة الكبرى، فهنا يمكن التدخل من قبل الحكومة بتوفير الضمانات للبنوك الممولة. نعم أعلم أنه قرار صعب غير أن العالم إذا أفاق من مشكلة الأزمة الاقتصادية، نريدهم أن يعلموا أن شبكة القطارات قد انتهت وأننا مستعدون للمنافسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي