العلاقات الاقتصادية الأمريكية – السعودية وأثرها في التنمية في الجزيرة والخليج

كشفت جولة الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط إثر انعقاد القمة السعودية - الأمريكية في الرياض عن عمق العلاقات الاقتصادية التي تربط الولايات المتحدة بالسعودية, وقد أكد الرئيس الأمريكي أهمية التنمية وتهيئة فرص العمل وبناء المؤسسات الديمقراطية وإصلاح التعليم وتحسين الأوضاع الاقتصادية والعمل على تنسيق التعاون بين المملكة ومؤسسات الأمم المتحدة وفي مقدمتها البنك الدولي، حيث عبرت الحكومة الأمريكية عن استعدادها للتعاون مع السعودية باعتبارها أكبر 15 شريكا تجاريا للولايات المتحدة وأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم للعب سياسة نفطية متوازنة قائمة على أساس موقف مبدئي ثابت يوفق ما بين مصالح المستهلكين والمنتجين بما يضمن نمو الاقتصاد العالمي بشكل يخدم الإنسانية, مما جعل هذا الدور المعتدل في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" يشكل عامل ضغط على مطالب دول مثل إيران وفنزويلا برفع الأسعار أو العمل على استخدام النفط كسلاح سياسي في وجه الغرب, وهيأ هذا الظرف للمملكة الاستفادة من عائدات النفط بما يخدم النمو الاقتصادي السعودي وإبراز دورها العالمي المتميز, فهل أدرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحقيقة التي تجاهلها معظم الرؤساء الأمريكيين السابقين وهي أن مصالحهم الاستراتيجية تكمن بعلاقتهم بالسعودية ودول الخليج أولا قبل أي دولة أخرى بما فيها إسرائيل؟
تاريخيا فقد كانت اللجنة السعودية ـ الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي التي أنشئت عام 1974 بمثابة نقلة نوعية في علاقات التعاون بين البلدين، وفي عام 2005 تم التوقيع على الاتفاقية الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة والخاصة بالنفاذ إلى الأسواق في قطاعي تجارة السلع والخدمات, مما جعل الولايات المتحدة تعد كأكبر مستثمر في المملكة، حيث بلغت التجارة البينية بين البلدين في عام 2007 أكثر من 193.3 مليار ريال، وارتفعت واردات المملكة من الولايات المتحدة إلى 45.9 مليار ريال في حين أن صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة استأثرت بمبلغ قوامه 147.4 مليار ريال, لكن هذا التحالف الاقتصادي القائم على مثل هذا الحجم من المصالح المتشابكة في مجالات النفط والعقود التجارية والأمن الإقليمي أخضعته الظروف السياسية لأصعب اختبار عندما وقعت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على الولايات المتحدة وحاول البعض استغلالها بقوة للنيل من هذه العلاقة المتميزة, ثم جاءت الأزمة الحالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي والتي كان منشؤها الرهن العقاري نتيجة لانعدام الثقة بين المصارف والمتعاملين معها، أي أنها كانت على صعيد القطاع المالي وليس الاقتصاد بأكمله لكن الفرصة ما زالت متاحة من أجل أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي الذي ما زال يعد بمثابة القاطرة التي تجر الاقتصاد العالمي وتقدم الوقود لعجلة النمو الاقتصادي في العالم في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الأوروبي يترنح والاقتصاد الياباني يكابد ركوداً عنيفاً في حين تتأرجح اقتصادات البلدان النامية بين الصعود والهبوط, وفي اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية التي عقدت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 ألقى خادم الحرمين كلمة بين فيها أن الأزمة كشــفت عن مخاطر العولمة غير المنضبطــة وضعف الرقابة, وإذا كانت فرص الاستثمار بالنسبة للأمريكيين ليست مقصورة على السعودية والخليج فهناك مناطق جذب في أمريكا الجنوبية وإفريقيا رغم الصعوبات التي تحيطها، لكن يبدو أن سوق الجزيرة العربية والخليج هو الأهم بالنسبة لهم، حيث يتمتع الاقتصاد السعودي بمزايا نسبية مثل الطاقة والموقع الجغرافي ومقومات الاقتصاد الكلي مما جعل من السعودية واجهة مفضلة للمستثمرين وهذا ما شهدناه عبر السنوات القليلة الماضية من تزايد حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة حتى وصل تصنيف المملكة في المستوى الـ 18 على مستوى العالم والأولى على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي, وجاءت حالة الانتقال التي تمت في السعودية نحو المشاركة في الثروة النفطية خصوصا بعد الارتفاع الخيالي في أسعار النفط ثم التراجع بعد الأزمة المالية التي جعلت المرء يبدو قلقا ويفكر في استحداث موارد أخرى غير نفطية وأدوات مغايرة لتجنب عثرات اقتصادية قد تكون قادمة, وقد أشرت في مقال سابق إلى أهمية التوجه الزراعي, كما أنه على الولايات المتحدة أن تدرك أن الوضع ليس كالسابق وأن هناك خيارات أخرى أمام السعودية في ظل وجود اقتصادات عالمية متميزة كالاقتصاد الأوروبي الذي يتمتع بقوة ومتانة ويمكن أن يكون حافزا للتعاون القائم على الصداقة والتكامل وليس التنافس خصوصا في ظل البحث عن مصادر مختلفة للدخل القومي إلى جانب النفط.
في الخليج العربي وكما نعلم فإن دول مجلس التعاون تعتمد أساساً على النفط باعتباره المحرك للنشاطات الحكومية ويقدم الدعم لإنفاق القطاع الخاص, لذلك فإن عملية التنمية والتطور الاقتصادي الخليجي لا يمكن فصلهما عن الموارد النفطية ودور السوق والحكومات، حيث تتم مقاسمة العالم في نحو 20 في المائة من النفط الخام المنتج، و45 في المائة و17 في المائة من الاحتياطيات المعلومة من النفط والغاز الطبيعي على التوالي, حيث يسهم الدخل النفطي بأكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول عدا البحرين، حيث يسهم بنحو 25 في المائة, كما أن مساهمة النفط في عائدات الصادرات لا تقل عن 70 في المائة, والى جانب المحاولات الكبيرة التي تمت لتحديث اقتصادات دول مجلس التعاون عن طريق الاستثمارات في البنية التحتية والاتصالات مدعومة بارتفاع أسعار النفط منذ السبعينيات, وفي الفترة بعد عام 1973 انخفضت الأسعار مما أدى إلى تنامي العجوزات في الموازنات ولكنه لم يؤد إلى تعطيل توسيع البنية الاقتصادية والاجتماعية, وفي حين ظلت السياسة المتبعة حتى اليوم ممثلة في تشجيع القطاع الخاص عن طريق إجراءات لتوسيع قاعدة السوق بإلغاء الدعم وخفض النشاط الحكومي ووضع أسعار معقولة وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتسخير الموارد للقطاع الخاص عن طريق تنشيط أسواق المال وتوسيع فرص الادخار والاستثمار, هذه المعطيات كلها دعمت الناتج المحلي الإجمالي ومستوى المالية العامة وميزان المدفوعات في دول مجلس التعاون، كما أن الاستفادة من أسعار النفط العالمية العالية وتدهور الدولار الأمريكي قد وسع صادرت دول مجلس التعاون وزادت الاحتياطيات الخارجية وحسنت مؤشرات النظام المصرفي، ختاما فإن العلاقات الاقتصادية الأمريكية - السعودية وهي بهذا الحجم من التميز لا بد أن تعد مفتاحا للتنمية الاقتصادية في منطقة الجزيرة والخليج العربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي