هل الإمارات على استعداد لتقديم تنازلات للعودة إلى الوحدة النقدية

صرح محافظ البنك المركزي الإماراتي أن بلاده لا تجري حاليا محادثات مع بقية دول مجلس التعاون للعودة إلى مشروع الوحدة النقدية وأنها لن تخوض أي نوع من المفاوضات وأن الخيار الوحيد لبلاده هو الانسحاب من مشروع الوحدة. و رغم اللغة القاسية التي يتضمنها هذا التصريح إلا أنه يحمل في طياته رغبة الإمارات في طرق باب التفاوض و أنها على استعداد لتقديم تنازلات للعودة للاتحاد النقدي الخليجي. وقبل أن نخوض في هذا الموضوع ونناقش مدى إمكانية عودة الإمارات نريد أن نتطرق إلى المواقف الشائعة للتفاوض الدولي لنخرج منها بأسلوب علمي مناسب وموثق يمكن نهجه عند الرغبة في التفاوض مع الإمارات.
تنقسم نظريا مواقف التفاوض الدولية إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي: الموقف المتأزم، والموقف المتعثر، والموقف المتفاقم. الموقف المتأزم هو الذي يحدث حينما يكون الطرفان على مقربة من الوصول إلى اتفاق كامل إلا أن هناك حالة من عدم الاتفاق حول إحدى النقاط الفرعية. أما الموقف المتعثر فيعنى أن المفاوضات تسير ببطء إلا أن الجانبين ما زالا يتحاوران ولكن دون إحراز أي تقدم أو التوصل إلى حل مرضٍِِ. أما الموقف المتفاقم فهو الذي يؤدي إلى حالة من الإحباط عند كلا الطرفين بدرجة تدفع كل طرف إلى الإحجام عن مواصلة التفاوض فيصلا إلى طريق مسدود. ولكل موقف آلياته وأساليبه في كيفية التعامل معه، فالموقف المتأزم تناسبه سياسة الإهمال التي سنبينها بعد قليل، بينما الموقف المتعثر يناسبه تغيير أسلوب التفاوض أو مكانه أو القائمين عليه، أما الموقف المتفاقم فيناسبه الاستعانة بطرف ثالث يعمل كوسيط أو حكم بين الطرفين. ورغم أن الموقف المتفاقم قليل الحدوث إلا أنه يساء فهمه والبعض يخلط بينه وبين الموقف المتأزم.
ومن خلال ملاحظاتنا حول ما حدث من تصرف الإمارات وتحفظها على مقر البنك ومن ثم انسحابها من الوحدة النقدية وادعائها رفض التفاوض في دعوة ضمنية للعودة إلى الوحدة، يظهر لنا أن الموقف متأزم وليس متفاقما أو متعثرا. لذا نريد في هذا المقال أن نكون أكثر تفصيلا في معرفة آليات التعامل مع الموقف المتأزم حتى تعود الإمارات وتكمل مشوارها مع جيرانها ويستفيد الاتحاد من عودتها.
أفضل طريقة توضح لنا أسلوب معالجة الموقف المتأزم ما أقدم عليه فريق التفاوض الأمريكي بقيادة روجر داوسون عند معالجة القضية العربية الإسرائيلية عام 1973. عندما ذهب فريق التفاوض إلى الجانب الإسرائيلي وأبلغوه إنه يجب عليهم أن يقتربوا من المصريين لأنهم إن لم يفعلوا فستقوم الحرب العالمية الثالثة في المنطقة. وقد كان رد الجانب الإسرائيلي عنيفا وهنا قد يظن المفاوض المبتدئ أن الموقف متفاقم وأنهم قد وصلوا إلى طريق مسدود وهذا يعنى فشل المفاوضات، حيث اشترط الجانب الإسرائيلي للتقارب مع المصريين ألا يتم التطرق لصحراء سيناء، وقالوا "لقد انتزعنا هذه الأرض في حرب 1967 وفيها تكمن آبار النفط ولن ننسحب أبدا مهما كلفنا الأمر" هذا هو رد الجانب الإسرائيلي.
إلا أن داوسون ومعاونيه قد فطنوا إلى أن الموقف متأزم وليس متفاقما ولا متعثرا لذا لجأوا إلى سياسة الإهمال أي إهمال المواقف الملتهبة جانبا وتأخير مناقشتها إلى نهاية التفاوض لأنهم يعلمون أن مصر لن تقبل بأي اتفاق لا يشمل سيناء. قال فريق التفاوض للجانب الإسرائيلي: ما يلي"نحن نتفهم مشاعركم حيال سيناء التي بها آبار النفط ونتفهم أنكم استوليتم عليها في حرب 1967 ولكن دعونا نضع هذه القضية جانبا في الوقت الحالي ونطرق بعض القضايا الأخرى". وبالفعل تم التطرق إلى قضايا أخرى أقل أهمية لدفع عجلة التفاوض قدما حتى شعر الجانب الإسرائيلي إلى إمكانية التوصل إلى حل وتحقيق نتائج وعندما بلغت نشوة النصر المفتعلة بالجانب الإسرائيلي ذروتها أثيرت قضية سيناء وهنا حدث شيء مذهل، فقد كان الجانب الإسرائيلي أكثر ليونة منه في بداية التفاوض حتى أنهم قرروا الانسحاب من سيناء بالكامل رغم ادعائهم في بداية الأمر أن هذا هو آخر شيء يمكنهم القيام به.
ولكي يستفيد الاتحاد الخليجي من هذا الحدث في التفاوض مع الإمارات، يجب أن يستخدم فريق التفاوض سياسة الإهمال التي استخدمها الفريق الأمريكي الذي أوصل مصر وإسرائيل إلى اتفاقية "كامب ديفيد". فموقف الإمارات حاليا من الوحدة النقدية ومقر البنك المركزي يشابه إلى حد كبير موقف إسرائيل من سيناء قبل "كامب ديفيد" ويمكن أن تعود الإمارات بسهولة إذا تم اختيار فريق يتقن مهارات التفاوض ويراعي تجنب حصر التفاوض في مقر البنك وتأجيل نقاط الاختلاف إلى نهاية المطاف حتى تدفع عملية التفاوض إلى الأمام وتشعر الإمارات بقرب عودتها للوحدة عندها يثار مقر البنك وستقدم كثيرا من التنازلات، وقد تغير كثيرا من مواقفها لأنها تعلم أنها أكثر المتضررين و أظنها تدرك مخاطر الانعزال والتهميش وفقدان حماية ودعم الاتحاد لها الذي بدأت ملامح نجاحه تظهر ومنها استعجال عُمان الانضمام لمشروع الوحدة النقدية. كما أن انسحابها سيجعلها بين مطرقة: إيران التي تحتل الجزر الإماراتية وتحيط بها من الشرق، وسندان الاتحاد الخليجي الذي يحيط بها من الجهات الأخرى وما عليها في النهاية سوى الانضمام إلى أي الفريقين، إضافة إلى خسارتها 38 عاما من الجهود و العطاء والتنازلات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي