انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاديات الخليجية
من شأن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز المصروفات العامة وبالتالي تحقيق نتائج اقتصادية متميزة في 2009. ويتوقع أن ترى مؤسسات القطاع الخاص الخليجي في نمو النفقات العامة دليلا ماديا على تحسن الأوضاع الاقتصادية وبالتالي تقوم بدورها بتعزيز التزاماتها المالية المحلية.
وكانت الدول الخليجية قد تبنت سعرا محافظا ما بين 40 و45 دولارا للبرميل عند إعداد ميزانيات السنة الجارية. على سبيل المثال، تبنت السلطات القطرية متوسط سعر قدره 40 دولارا لبرميل النفط الخام عند إعداد ميزانية 2009 و2010 مقابل 55 دولارا للبرميل في الميزانية السابقة.
القضاء على العجز
وربما كانت الحكومات الخليجية مضطرة لتبني سعر منخفض بالنظر لما آلت إليه الأمور في نهاية 2008 والربع الأول من 2009. وكان سعر النفط قد بلغ ذروته عند 176 دولارا للبرميل في حزيران (يونيو) من عام 2008 لكنه تهاوى إلى 32 دولارا للبرميل قبل حلول العام الجديد. وعكس هذا الهبوط غير العادي بتراجع الثقة بالمستقبل الاقتصادي العالمي وتدني الطلب على الذهب الأسود في أعقاب اندلاع الأزمة المالية.
في المقابل، شهدت أسعار النفط حركة تصحيحية في الشهرين الماضيين وبقيت متخطية حاجز 60 دولارا للبرميل كدليل مادي على عملية تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات الأزمة المالية. وهناك نوع من التوافق الدولي على أن دول العالم ستشهد تفاوتا فيما يخص التعافي من الأزمة المالية والتي بدأت من الولايات المتحدة في عام 2008.
من جملة الأمور الإيجابية، سوف يسهم ارتفاع أسعار النفط في القضاء على العجوزات المالية المقدرة في ميزانيات دول المجلس. فقد قدرت السعودية عجزا ماليا قدره 17 مليار دولار مقابل مصروفات قدرها 126 مليار دولار في ميزانية عام 2009. وفي حال حدوثه يعد العجز الأول من نوعه منذ عام 2002. كما تم تقدير عجز مقداره 2.1 مليار دولار مقابل مصروفات قدرها 16.7 مليار دولار في ميزانية عُمان للسنة المالية الجارية.
أهمية القطاع النفطي
يمثل القطاع النفطي شريان الحياة بالنسبة لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر نظرا لمساهمته الكبيرة نسبيا في الموازنة العامة والصادرات والناتج المحلي الإجمالي. يشكل الدخل النفطي في المتوسط نحو 80 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في دول مجلس التعاون. تعد الكويت الأكثر اعتمادا على القطاع النفطي، حيث شكلت الإيرادات النفطية 92 في المائة من مجموع دخل الخزانة العامة في 2008.
كما يسهم القطاع النفطي أي النفط الخام والغاز والمنتجات المكررة بدور رئيس فيما يخص صادرات دول مجلس التعاون. كما هو الحال مع الموازنة العامة، يعد الاقتصاد الكويتي الأكثر اعتمادا على القطاع النفطي فيما يخص الصادرات. تشكل الصادرات النفطية نحو 90 في المائة من قيمة الصادرات الكويتية.
حقيقة القول، هناك أهمية إضافية للقطاع النفطي فيما يخص البحرين، حيث تقوم باستيراد النفط الخام من الجارة السعودية عبر أنابيب تعود لعام 1945. بدورها، تقوم شركة نفط البحرين "بابكو" بتكرير النفط الخام المستورد إلى منتجات نفطية مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات. تشكل الواردات النفطية 52 في المائة من مجموع الواردات البحرينية.
النمو الاقتصادي
يسهم القطاع النفطي دورا ملموسا في نتائج الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون, لكن بدرجة أقل مقارنة بالإيرادات والصادرات. يشكل القطاع النفطي نحو 40 في المائة من النتائج المحلي الإجمالي للسعودية بالأسعار الجارية.
بيد أنه لابد من توضيح بعض الأمور وعلى الخصوص طريقة احتساب مساهمة القطاع النفطي. حسب المعايير الدولية يتم احتساب عملية تكرير النفط الخام إلى منتجات نفطية مثل الديزل ضمن خانة الصناعات التحويلية وليس قطاع النفط الخام والغاز. وعليه تتسبب هذه الطريقة في الإيحاء بشكل غير واقعي مفاده أن الاقتصاد المحلي لذلك البلد ربما يكون أقل اعتمادا على القطاع النفطي.
كما يلعب الدخل النفطي دورا رئيسا في المصروفات الحكومية والتي بدورها تسهم سلبيا أو إيجابيا في نتائج الناتج المحلي الإجمالي. تترك مصروفات القطاع العام آثارها في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الإنشاء والتعمير والضيافة والتجارة. يمثل الدخل النفطي والذي بدوره يستخدم لتمويل المصروفات حجر الزاوية فيما يخص المالية العامة في دول مجلس التعاون.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع تراجع مستويات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون بسبب التدني النسبي للنفقات العامة والخاصة. وجاء في تقرير حديث للصندوق أن نمو الناتج المحلي للدول الست سوف يبلغ 1.3 في المائة في عام 2009 مقابل 6.4 في المائة في 2008 ما يشكل تهديدا للرفاهية الاقتصادية.
ختاما يشكل الاعتماد النسبي الكبير لاقتصاديات دول مجلس التعاون على الذهب الأسود تحديا لاقتصاديات الدول الست، حيث تضعها تحت رحمة التطورات في الأسواق العالمية. يعد النفط من السلع الاستراتيجية في العالم حيث تشكل المنتجات النفطية عصب الحياة بالنسبة لأمور مثل السيارات والطائرات والمعدات وغيرها من الأمور المعيشية في هذا العصر.