ظاهرة دور المسنين
يعتبر الشباب هم الثروة التي يقوم عليها بناء المجتمعات وتقدمها, وذلك في جميع المجالات, فهذه الطاقة البشرية من الممكن إذا وجهت توجيها سليما أن تصنع من واقعها مجتمعا مبدعا ينطلق من ترسيخ العديد من المبادئ والمفاهيم التي تدفع إلى استثمار الواقع استثمارا إيجابيا يصنع الكثير, بل إن جميع البرامج التوعوية والتنموية إنما تخاطب الشباب بصورة مباشرة ربما حتى في أسلوب تقديمها تركز على مكمن الطاقات الشبابية بشكل أكثر من غيره من المراحل أو الفئات العمرية الأخرى ولكن مهما كانت الإشارة عن زخم الطاقات الشبابية وتنوعها إلا أن هذا التركيز الشديد على مرحلة الشباب يجب ألا يعتبر في الوقت ذاته إنقاصا من القدرات التي تتمتع بها مراحل أخرى, ولعل من أهم ما يجب الإشارة إليه هي مرحلة الشيخوخة, أي ما بعد الـ 50 عاما، فكثير من المجتمعات تهمل هذه الفئة تماما أو تغض الانتباه كثيرا عن قدراتها وكفاءتها التي تحمل العديد من قوة العقل والخبرة والتجارب, ومهما تحدثنا عن الشباب كطاقة إلا أننا يجب أن نتحدث عن الشيخوخة كخبرة ومضمون إلا أن الواقع الاجتماعي على مستوى كثير من الدول العربية عموما وعلى مستوى مجتمعنا المحلي بشكل خاص أصبح يشهد إغفالا واضحا لتلك الفئة خاصة من قبل المجتمع عموما بل ومن قبل أبنائهم وأسرهم، هذا وقد كشفت دراسة سعودية أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية على مستوى المملكة تحت عنوان" العنف ضد كبار السن" أن أغلب مشكلات المسنين الاجتماعية تتمثل في الحرمان الاجتماعي, تقلص العلاقات, فقدان الأمن الاقتصادي, فقد الدور, التقاعد، الترمل, الطلاق ومشكلات شغل وقت الفراغ, هذا إضافة إلى مشكلات الرعاية الشخصية المتمثلة في نظافة البدن والملبس والمأكل. ولعل من أهم ما يفاقم تلك المشكلة هو عامل أساسي يتمثل في إهمال دور المسن وإشعاره أن لا فائدة من وجوده بل حتى في داخل منزل أبنائه توضع له حجرة ويحكم عليه إن لم يكن تصريحا يكون تضمينا ألا يتعدى حدود حجرته ومع هذه الحدود لا يتخطى حدود الحديث ولا يستفسر عن أي شيء في المنزل ولا عن شؤون الأسرة وإلا فسيكون الغضب عليه عظيم جدا وما يثبت ذلك هو التزايد في أعداد كبار السن الذين يدخلون من قبل أبنائهم إلى دور المسنين حتى أصبحت ظاهرة منتشرة تعطي مؤشرا واضحا إلى مدى انتشار عقوق الوالدين بشكل أكبر مما هو عليه في السنوات الماضية، وإذا كانت هناك برامج توجه إلى مكافحة التدخين والمخدرات والابتزاز وغيرها من المشكلات فنحن بحاجة كبيرة جدا إلى توجيه البرامج المكثفة نحو أهمية احتواء الوالدين ورعايتهم رعاية لا تقتصر فقط على الطعام والشراب كما "يمن" البعض على والديه "بلقمته" وإنما أن تكون رعاية متكاملة ترضي الله عز وجل.