من حجز الفيضانات إلى تشييد البيوتات!
دعوت – ولا أزال - إلى تمكين الأسر الفقيرة وتدريبها - خصوصاً في المناطق الريفية والنائية - على بناء مساكنها بنفسها، كما اقترحت في مقالة سابقة أن يُوجه الشباب إلى المشاركة في توفير المساكن للأسر المحتاجة ضمن برامج العمل التطوعي وقنواته، وكنت أعلم مسبقاً بأن كثيراً من القراء لن يتصوروا إمكانية مشاركة الشباب وهم لا يملكون التجربة التخصصية أو المهارة اللازمة لبناء المساكن بتقنيات الهياكل الخرسانية المسلحة التي تتطلب مهارات فنية عالية؛ لذا أشرت في المقالة إلى أن هناك عديدا من تقنيات البناء البسيطة التي يمكن تدريب المتطوعين على استخدامها بيُسْر وسهولة، ومع هذا ظهر في أحد التعليقات على مقالة (العمل التطوعي) في جريدة الاقتصادية الإلكترونية ما يشير إلى فهم المعلق أنني أدعو إلى توفير مساكن للفقراء من الكرتون أو الصفيح، وهذا التعليق مثال واضح على مدى عجز المجتمع عن تصور إمكانية توفير المساكن للأسر الفقيرة ببدائل أخرى غير بناء المساكن لهم، وجهله بتنوع البدائل المتاحة للتمكين، علماً بأن الكرتون والصفيح اللذين استهجن المعلق استخدامهما قد تم تطويرهما ضمن برامج إعادة تدوير المواد (أو النفايات) ليتم استخدامهما لبناء مساكن منخفضة التكلفة. كما تتوافر عديد من الخيارات لبناء المساكن بالمساعدة الذاتية فيما يتعلق بتقنيات البناء ومواد التشييد (الطبيعية منها والصناعية)، مثل: ألواح المواد الصناعية خفيفة الوزن وسهلة التركيب للحوائط والأسقف، أو الطوب المعشق المصنوع من الطين المعالج بالضغط، والمشابه في أسلوب تشييده لفكرة لعبة مكعبات الأطفال الشهيرة (الليغو LEGO)، وغيرها الكثير من البدائل، وسأعرض اليوم للقراء الكرام واحدة من أغرب تقنيات بناء المساكن للأسر الفقيرة، والتي يستطيعون بقليل من التدريب استخدامها لتشييد مساكنهم، ألا وهي البناء بأكياس الرمل.
إن إقامة المنشآت بأكياس الرمل ليس بالأمر الجديد كلياً، فقد استخدمت التقنية منذ مئات بل ربما آلاف السنين لإقامة السدود للحماية من ثورة الأنهار ولحجز فيضاناتها من قبل السكان المستوطنين في ضفاف الأنهار حول العالم، ولكن فكرة استخدامها لإنشاء المساكن لم تعد جديدة نسبياً، فلم يتم تطويرها واستخدامها بشكل فاعل إلا خلال السنوات العشر الماضية في جنوب إفريقيا، وأنشئت عدة مساكن بهذه الطريقة في أول الأمر، وبعد تنفيذ أول مشروع إسكاني في ناميبيا انتشر استخدامها على نطاق واسع في دول عديدة (مثل: كرواتيا، المكسيك، الهند، وإسبانيا).
ونظراً لمحدودية المساحة المخصصة للمقالة ورغبة مني في التوسع في مناقشة استخدام أكياس الرمل في البناء؛ فإني أعد القراء الكرام بأن أسلط الضوء في الأسبوع المقبل – إن شاء الله - على بعض من مزايا استخدام أكياس الرمل لبناء المساكن للأسر الفقيرة في الأرياف والمناطق النائية في المملكة العربية السعودية.