بيضة الذهب في قصة الفلسفة

أجمل الكتب ما كانت بركة في حياة الإنسان، وأعظمها قاطبة هي أول كتاب يدخل به الإنسان ميدان الكتابة، فيشتهر ويلمع ويدخل قائمة الخالدين.
ومن هؤلاء ويل ديورانت الذي بدأ رحلته في الكتابة وهو يدرس الطلبة مادة الفلسفة فقال لعلي لو وضعت لهم كتابا يصبح موضع فائدة، فلما كتبه كان الفتح المبين فتسابقت إليه دور النشر وترجم وحفظت أرباحه، وليس مثلنا نحن المستباحين في العالم العربي بدون حقوق.
فأنا شخصيا فتح الله علي بكتابي الطب محراب الإيمان ولكنه لم يوفر لي ما وفر لكتاب قصة الفلسفة لديورانت، لقلة القراء وجشع الناشرين واستباحة المؤلفين وسرقة اللصوص وحواجز اللغة العربية، موزعة في 25 بوابة رقابة مختلفة. مع ذلك فالكتاب خرق وبرق وانتشر على رغم كل هذه الصعوبات فكان الكتاب بركة في حياتي ومن أول ضربة.
وقصة نشر كتابي هي أعجب فعندما عرضته على الناشر اعتذر بعد أن تعبت عليه شهرا كاملاً قطعت فيها الوقت من التحضير لفحص التخرج من كلية الطب، حتى جاء رئيس دار النشر وقال لي بالحرف الواحد: الكتاب المشاهير لم يبدأوا مشاهير بل نكرات؟ وأنا سوف أنشر هذا الكتاب وأغامر فكان من أفضل الكتب عنده وأوسعها انتشارا، وتحدث في فضله، رحمة الله عليه الشيخ الطنطاوي، وهو لا يعرفني. وقبل قليل رأيت من يستشهد به في اليو تيوب فتعجبت من قوة انتشاره، وفي قناعتي لو أن الترجمة توفرت لهذا الكتاب لمشى مثل الريح المرسلات، وهكذا فاللغة العربية حاجز نوعي كما نرى للفكر، واليوم راسلني أخ من فرنسا لا يعرفني فقال إنها حواجز اللغة لأنني مرتبط بالفرنسية، ولكنه تعجب من طرح أفكاري فقال هي عالمية ولكنها في أقفاص اللغة العربية.
وأعود إلى المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) فقد روى عن نفسه، أنه بدأ بما سماه (بيضة الذهب)؛ فقد كتب في الفلسفة قبل التاريخ، وكنا محظوظين بميوله الفلسفية، لأنه كتب التاريخ بعد ذلك على قدر كبير من النضج الفلسفي، وبهذه الأدوات الممتازة من المعرفة الموسعة.
يقول ديورانت إن كتابه (قصة الفلسفة) لاقى رواجاً غير عادي، مما در عليه من الربح الشيء الكثير، ربما فاقت المليون دولار، فأمريكا قاربت في سكانها 300 مليون نسمة، ولنتصور كتابا يروج بين هذه الأمة القارئة.
وحين أطلع على مثل هذه الأمور، أقول لو أنني مثلا نشرت كتابي (الطب محراب للإيمان) باللغة الإنجليزية، لربما سار في أمريكا والعالم الناطق بالإنجليزية، وهي مليارات من الأنام، ذلك أن هذا الكتاب كان لي بيضة بدون ذهب، فقد طبع وما زال، وسرق وما زال، فلصوص الكتب والانتحال أكثر من رمال الربع الخالي! وأقرأ أحيانا فصولا كاملة منه تحت أسماء جديدة.
وهناك رجل يكنى بالدرويش سرق مقالات كاملة، مما أكتب ونحلها لنفسه، فلما كشفناه، مضى بفنه أدهى وأمر، فعمد إلى اقتطاع نصوص متفرقة من مقالات متفرقة، يربط بينها ويعلق، على صورة فيلسوف متمكن، وهو لص بغداد الشهير.
وأذكر أنني كتبت الجزء الأول منه وأنا شاب بعمر 24 سنة، فكان بركة، ولكنه محبوس في قفص اللغة العربية بكل أسف وبقي محبوسا، كما حبس صاحبه مرات، حتى يأذن الله بالفرج فيخرج إلى أرض الحرية، عند لغة ريتشارد قلب الأسد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي