إنفلونزا الخنازير والإرهاب الصحي

لعل كلمة "خنازير" قد أصبحت من أكثر الكلمات شهرة هذه الأيام، فقد أصبح الخنزير الذي كان مجرد مصدر للبروتين مصدرا مخيفا للرعب والهلع. والخنزير حيوان منحوس، وقبل أن يطل علينا بوبائه خرج لنا في الروايات والمسرحيات حليفا للسحرة ومعاونا لهم في طقوسهم الغريبة.
وفي مطلع مسرحية ماكبث Macbeth للشاعر والمسرحي الأشهر وليم شكسبير، يبدأ الحوار بين ساحرتين في مشهد افتتاحي تمهيدي شهير حين تسأل الساحرة زميلتها:
أين كنت يا شقيقتي؟
فترد الثانية على الفور
أقتل الخنازير Killing Swine.
تذكرت هذا المشهد الذي قبع في ذاكرتي منذ درست ماكبث عام 1957 وأنا أتابع قيام العالم كله – وليس الساحرة وحدها – بقتل الخنازير.
عندما قتلت الساحرة الخنزير كانت تريد استخدام دمائه في استحضار الجن، أما اليوم وعندما تنهال سواعد الجزارين بالسكاكين على رقابهم، فإن الهدف هو إنقاذ البشرية، ومع أني أعرف أن ذبح الخنزير يتم عن طريق طعنه في القلب باستخدام سيخ حاد، إلا أنني لاحظت تغيرا هذه الأيام.
وأتساءل: ما هذا الذي يحدث في العالم؟
إنفلونزا الخنازير ومن قبلها إنفلونزا الطيور وقبلها جنون البقر وقبلها جميعا وباء الإيدز. لقد تخلص الإنسان من الطاعون وشلل الأطفال والدفتريا والسل بفضل جهود على رأسها إلكساندر فليمنج الذي اكتشف البنسلين، فنجح هو ومشتقاته في كبح جماح هذه الأمراض. وها نحن نسمع عن استخدام الهندسة الوراثية والخلايا الجزعية وزرع الأعضاء والتصدي للسرطان واللعب بالخلايا البشرية، وسرعان ما تدق أمراض جديدة وأوبئة فتاكة حصون الإنسان، فتعيده إلى ما كان عليه وتصدم غروره وكأنها تقول له: مهما بلغت فإن هناك دائما الخطر، هناك الخوف الأبدي الكائن من الموت والمرض والفقر.
ومع حملة ذبح الخنازير نتوقع أن نعيش بأمان، ولكن علينا أن نسأل مَن الذي يرسل الجمرة الخبيثة؟ ومن الذي جعل الإيدز قاتلا شرسا؟ وماذا جرى للطيور حتى تحمل الموت الزؤام للبشر، وماذا تحمل الخنازير للبشر؟ ومَن الذي جعلها وسيطا لوباء فتاك؟
أسئلة تستدعي التركيز الروحي والمعنوي والمادي ولكنها تسجل نقطة لا مناص من وقوعها وهي المعاناة "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، وكلما صحا من محنة وجد أخرى بانتظاره.
وأتعجب ماذا تفعل دولة مثل الصين وسكانها قد تجاوزوا المليار بثلاثمائة مليون أخرى إذا وصلها المرض؟ علما بأن 60 في المائة من البروتين الصيني مصدره الخنازير، وهي مقولة تصدق على معظم دول آسيا وأوروبا، وإذا افترضنا جدلا وصول الوباء إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية – فكيف السبيل إلى احتوائه؟ وماذا يفعل الأوروبيون بخنازيرهم البيضاء والشقراء والسمراء والرمادية؟ والمؤسف أن خلو بلد من الخنازير لا يعني أنها بمنجاة عن الوباء، ذلك أن عالمنا المعاصر الذي انهارت فيه الحدود وأصبح قرية كبيرة تشهد ملايين المسافرين كل صباح مطالب بإجراءات يقظة وصارمة للحيلولة دون وصول الوباء.
وهنا تبدو قيمة التنسيق والتعاون الدولي، ولا شك أن الولايات المتحدة في حالة ذعر لوصول الوباء إلى حدودها، فالمكسيك تجاور تكساس، وكاليفورنيا ونيومكسيكو وفلوريدا وكل ولايات الجنوب، ولذلك فإن ظني أن واشنطن ستوجه كل طاقاتها لقتل الوباء في مهده.
وتبقى التساؤلات.. وماذا بعد إنفلونزا الخنازير؟ وماذا في جعبة الفاعلين الذين يجرون تجارب الدمار ثم يلقونها لإرهاب العالم؟ وأي إرهاب أكثر مما نراه عندما لا يكون أي فرد مهما بلغ عمره أو بعده غير آمن على صحته وحياته؟
إنها محنة يبتلي الله بها الإنسان واختبار لصلابة إيمانه ومتانة بنائه. وندعو الله أن تنتهي على خير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي