الملك والرؤية الناضجة للإعلام
في كلمته الكريمة التي افتتح بها المؤتمر الدولي الأول حول مستقبل النشر الصحافي يوم أمس كشف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، عن رؤيته للإعلام ودوره الحيوي في الحياة الحديثة، مؤكدا على أنه يشكل أحد أهم الجسور الحضارية لتعزيز أواصر التفاهم بين الدول والشعوب، وتفعيل المصالح المتبادلة دون إفراط أو تفريط .. واصفا الإعلام السعودي الذي بدأ منذ عهد الملك المؤسس، رحمه الله، بالإعلام المتزن الذي ينتهج المصداقية والشفافية العالية والواعية جهة فهم الاحتياجات للوطن والمواطن والمساهمة الكبرى في القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع بحكمة وبعد نظر.
كما أشاد، حفظه الله، بدور الإعلام السعودي وقال إنه يمثل إحدى الوسائل البالغة التأثير في رسم معالم التعايش والتفاعل وترسيخ مفهوم الحوار مع الحضارات الإنسانية الذي أطلقناه في مكة المكرمة مرورا بمدريد وأخيرا من خلال مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك، متمنيا أن يكون هذا المؤتمر خطوة أخرى نحو نقل ثقافة وفكر وتراث وحضارة المجتمع السعودي إلى العالم في أبهى الصور.
ولعل الرعاية الملكية الكريمة لهذا المؤتمر الدولي، وهذه النظرة الواقعية للإعلام تجسد بمنتهى الوضوح رؤيته الدقيقة للإعلام خاصة عند التأكيد على قضية الاتزان دون إفراط أو تفريط .. فهو، حفظه الله، لا يرى الإعلام إلا من خلال هذه القاعدة التي تعتمد المنهجية الموضوعية والمصداقية والشفافية، ليحقق دوره الريادي كأحد أهم الجسور الحضارية، وهي رؤية بالغة الدلالة، وممعنة في العمق، لأنه يدرك بفطرته السليمة أن الإعلام في هذا العصر لا يمكن أن يستوعب تلك الغوغائيات التي كانت تسعى لتدجين الشعوب، أو تمرير بعض الأيديولوجيات لأن حجم الأضواء الإعلامية التي تلف هذا الكوكب، باتت أكثر قدرة على كشف كل تفاصيله، وبالتالي لم يعد هنالك مكان للإعلام غير المسؤول، أو الإعلام الذي يسعى للتعبئة والتوتير على حساب الحقائق.
وحينما يركز الملك على وصف الإعلام بأنه أحد الجسور الحضارية، فإنما ليؤكد، حفظه الله، على الهدف الأسمى للإعلام الملتزم الذي يتناول القضايا بأكبر قدر من الموضوعية، ويسهم في ربط وشائج المصالح المتبادلة بين الأمم والشعوب، امتدادا لمنهجه السياسي في تقريب وجهات النظر بين الثقافات والحضارات كأحد أبرز الزعامات الدولية التي جعلت من حوار الحضارات أحد أسمى غاياتها، من أجل عالم أفضل، وتحقيقا لمبدأ التعايش ونزع فتيل الخلافات بين الأمم، لتغليب لغة الحوار على لغة النزاع المسلح، وهي بالتأكيد الرسالة التي تصدى لها، حفظه الله، طوال مسيرته السياسية، متجاوزا بكبرياء القادة العظام كل الخلافات والمواقف والتشنجات، وهو ما عبر عنه بوضوح في قمتي الكويت والدوحة، عندما نفض عن طاولة القمة كل أسباب التوتر، في أهمّ عملية صفح لا يجيدها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، الذين يستطيعون أن يتجاوزوا الخلافات، بتغليب مصالح الأمة.
ولأن الإعلام كوعاء لا يغرف إلا من ماء السياسة .. فقد تنبه خادم الحرمين الشريفين لهذا الدور .. فكان أن بادر بفطنة الزعيم والرجل المسؤول إلى تنقية المورد، وإزالة ما شابه من العوالق .. ليتجاوز تلك المناكفات وصولا إلى دوره الحقيقي الذي يراه فيه جسرا للتواصل، وهذا ما حدث بالفعل.
ونحن كإعلاميين إن كنا نفخر بهذه الشهادة التي تأتي من قائد دولي فذ .. فإننا قبلها نفخر بأنه هو وحده وبمنهجه السياسي من صنع هذا الجو التصالحي في الإعلام العربي بشكل عام، والذي يتسامى على الصغائر، لأنه الرجل الذي دفع الإعلام والإعلاميين بمواقفه المشهودة لدورهم الحقيقي في البناء والحوار والتلازم من أجل قضايا الأمة ومصالحها .. بعد أن عبثت به الشعارات الفارغة والحروب العبثية لفترات طويلة .. لم ينجز معها إلا مزيدا من الضغائن والنزاعات.