محاربة الفيروسات بالفيروسات : علم النانو

هل يمكن أن تمرض الفيروسات كما يمرض البشر؟ وتصاب الطيور بالإنفلونزا؟ والكلاب بالسعار؟ وهل يمكن للرشح أن يأخذ بردا؟ وهل يمكن لفيروسات الإيبولا الدموية أن تتوعك؟
يجيب عن هذا الطبيب الفرنسي ديدي راول Didier Raoult من كلية البحر المتوسط للطب في مدينة مارسيليا، بأن هذا ممكن بالطبع (وبالعامية ليش لا ؟؟).. يتابع: إن هذا أصبح ممكنا جدا منذ أن عثرنا على السبوتنيك Sputnik!! أصبحت أشياء كثيرة كانت في حكم المستحيل ممكنة..
وهذا يفتح الطريق على فهم جدلية الممكن والمستحيل، فقبل قرون كان فتح البطن مستحيلا.. واليوم يقوم به أصغر جراح.
ومن أراد الوصول إلى مكان عمل الطبيب راول فعليه قراءة مثلث التحذير في كلية الطب (خطر بيولوجي Biohazard)، قبل تجاوز عتبة الدخول إلى مركزه الذي أصبح مختبرا مرجعيا (Reference-Laboratory) للكائنات الخطيرة والمعدية، التابع لمنظمة الصحة العالمية، ما يشبه مكتبة المجرمين من العضويات الدقيقة، أو حديقة حيوانات، ليس للضواري والسنوريات، بل الجراثيم المهلكة والفيروسات القاتلة والفطريات المبيدة، من كل صنف زوجان.
ومهمة هذا المخبر جمع العينات وتبريدها 80 درجة تحت الصفر وتزويد المخابر والمؤسسات في العالم، من هذه الكائنات الصغيرة المدمرة، كأنها الجان في بلاد عبقر..
يصف الدكتور راول ما يقوم به بأنه رحلة في عالم جوليفر (ليليبوت Liliput)، حيث التعامل مع كائنات في غاية الدقة، لا يمكن الدخول إليه دون مجهر إلكتروني، يكبر الكائنات ستين ألف مرة ويزيد، وقد تمكن بصبر ومتابعة من الكشف عن ميكروبات جديدة لم تكن معروفة من قبل، وحين يصفها كأنك تسمع منه وصفا لوحيد القرن الخرتيت أو فرس النهر أو أبو الهول..
ولكن ما السبوتنيك الذي تحدث عنه؟ إنه كشفه الجديد في عالم المغيبات،
وكلمة سبوتنيك أو "صدمة" السبوتنيك هي قفزة الروس إلى الفضاء، حين أرسلوا قمرهم الفضائي عام 1957م فسبقوا الأمريكيين، مما أطلق شعار (صدمة السبوتنيك Sputnik-Shock) وبدأت أمريكا في تحديث نظامها التعليمي، حتى سبقت أهل الأرض جميعا باعتلاء ظهر القمر. والطبيب الفرنسي أحب أن يطلق التعبير نفسه، بالإثارة نفسها على فيروسه الجديد الذي اكتشفه، فقد تعرف على فيروس بقطر 50 نانو يحمل 21 جينا فيه 18300 حمض نووي. (النانو وحدة قياس تبلغ واحدا من مليار من المتر)، وهو حجم يبلغ من الصغر والدقة ما هو أقل من جزيئات دخان سيجارة، وأهم ما في الفيروس الجديد أنه مرض المرض، فهو يصيب الفيروسات بالمرض، وهكذا فالدواء النجس له دواء أنجس كما يقول المثل، ويضحك الطبيب راول من هذه المقارنات..وهذه الظاهرة من إصابات الجراثيم بالجراثيم معروفة في الطب منذ زمن طويل، فهناك من الخلايا ما يسمى (البالعات أو الهاضمات Bacteriophage) وهي ضرب من الخلايا تلتهم الفيروسات، ويطلق عليها (طفيليات الطفيليات)، وقد كشف السويسري فيرنر آربر في الستينيات عن آلية عجيبة سماها المقصات في كيفية قضاء الخلايا على الفيروسات، بواسطة أنزيمات قاصة مثل المقص. ويعقب راول بأنه مع اكتشاف فيروس السبوتنيك فقد عثر على ملتهمات الفيروسات من الفيروسات. وأهمية هذا الفتح المبين في طريق العلم أن الطب يستطيع القضاء على الجراثيم بالصادات الحيوية (Antibiotics)، وعلى الفطريات بمحاصرتها (Antimycotics)، ولكنه وقف حتى اليوم عاجزا عن كفاح الفيروسات، بسبب طبيعته الغامضة جدا، واختبائه في الخلايا، ولم يعمل الأطباء لكفاحه إلا في اللقاحات، من أجل تدريب المناعة في البدن على التعرف عليه إذا دخل الجسم، ومحاصرته قبل أن يتمسكن ثم يتمكن.. لذا فالفكرة التي جاء بها الطبيب الفرنسي واعدة جدا بطريقة مختلفة في استراتيجية القضاء على الفيروسات.. قتل المجرمين بيد المجرمين!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي