الأزمة النووية في الانتخابات الهندية
رئيس الوزراء مانموهان سينج وحزبه، حزب المؤتمر، يواجهان متاعب حول الصفقة الهندية ـ الأمريكية النووية في الانتخابات العامة الهندية أكثر مما يعترفان، مع الإمكانية البارزة لخسارتهم السلطة.
من ناحية أخرى، إذا شكل أي من الجبهة الثالثة التي تستوحي آراءها من الحزب الهندي الشيوعي (الماركسي) أو التحالف الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه حزب بهارتيا جاناثا، الحكومة، فإن من المؤكد أن تكون هناك إمكانية ضعيفة لإعادة التفاوض حول الصفقة النووية. الأمر الذي يمكن أن يزيد من التراجع المتزايد في علاقات الهند مع إدارة باراك أوباما.
وإدارة أوباما تعتبر الصفقة النووية إرثاً آخر من الأعباء التي خلفتها حكومة جورج دبليو بوش السابق، إضافة إلى الاقتصاد الأمريكي الفاشل والحربين الكارثيتين في العراق وأفغانستان – باكستان.
لقد حاول الرئيس أوباما، لكنه فشل، في إدخال تعديلات شديدة في الصفقة النووية، حين كان سيناتوراً، والتي ووفق عليها في نهاية المطاف بإجماع ثنائي الحزبين في الكونجرس، لكن أوباما، كرئيس ديمقراطي ملتزم بأهداف عدم الانتشار النووي مثل معاهدة حظر التجارب الشاملة، ومعاهدة منع المواد الانشطارية ، وجعل معاهدة عدم الانتشار النووي تنطبق على قوى أسلحة نووية مثل الهند وباكستان وإسرائيل.
إن عديدا من كبار مسؤولية أنصار أقوياء للصفقة النووية الهندية ـ الأمريكية، والهند منشغلة بالنظر في اقتراحات واشنطن حول أن صادرات الوقود النووي الأمريكي وحقوق معالجة المواد التي ستجيء في الجولة الثانية من المفاوضات سترتبط بقبول الهند معاهدة حظر التجارب الشاملة ومعاهدة منع المواد الانشطارية, مع الخوف من أن ذلك سيفتح الباب أمام الولايات المتحدة للتوصل إلى طرق ووسائل لوضع سقف لبرنامج أسلحة الهند النووية، وتغيير مساره وإلغائه.
وما دفع إلى تجربة الهند النووية في أيار (مايو) 1988 مخاوف من قرب تطبيق معاهدة حظر التجارب الشاملة، التي رفضها مجلس الشيوخ الأمريكي في نهاية المطاف، لكن السلاح النووي لم ينفجر في تجربة 1998، أو لم ينفجر على نحو مثالي، مما يفرض إجراء مزيد من التجارب لأن المحور الرئيس للرادع الهندي هو صواريخ ذات مدى متوسط إلى طويل، تركب عليها رؤوس حربية نووية.
وبينما أعلنت حكومة أيه بي فاجبايي التي كانت موجودة عندئذ وقفاً طوعياً على مزيد من التجارب لتخفيف شدة العقوبات الأمريكية اللاحقة، فإن الصفقة النووية تعتمد على ذلك، أي تحول التزاما واقعياً إلى التزام شرعي, الذي كان أحد الأسس الرئيسية لحزب بهارتيا جاناثا، وقسم من المجتمع الاستراتيجي والحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) إلى حد ما، لمعارضة الصفقة.
والصفقة تلزم الهند أيضاً بأن "تساعد" الولايات المتحدة في التفاوض حول معاهدة شاملة لمنع المواد الانشطارية, مع أن هناك أدلة قليلة على أن الهند قامت بتقدير دقيق لاحتياجاتها من المواد الانشطارية لمواجهة التهديدات الصينية والباكستانية القائمة، في ضوء المخاطر الجديدة للتسلح الإيراني وسباق الأسلحة النووية الذي سيزداد بين القوى المتنافسة في غرب آسيا.
وفي أحسن الأحوال، يمكن للصفقة النووية الهندية ـ الأمريكية أن تلبي 3 في المائة من احتياجات الهند من الطاقة, الأمر الذي يجعل تنازلات مانموهان سينج للولايات المتحدة حول البرنامج النووي العسكري الهندي شيئاً غير مقبول أبداً (وفي الحقيقة) فإن أي تنازل إزاء الردع الهندي غير مقبول.
لماذا قدم مانموهان سينج تلك التنازلات، وأجبر الحزب الشيوعي الهندي – الماركسي وأحزاب اليسار الأخرى على التنصل من تأييد حكومته في العام الماضي، أمر ما زال غير واضح، وذريعته بوجود نقص في الوقود النووي لمفاعلات الطاقة الموجودة في الهند ذريعة زائفة لأن المدققين الحكوميين والدراسات الأمريكية المستقلة يقولون إن الهند تملك ما يكفي من اليورانيوم المحلي، ويلومون بيروقراطية وزارة الطاقة الذرية على التقصير في إنتاجه والتنقيب عنه.
من ناحية أخرى، فإن مانموهان سينج اقتصادي موال لأمريكا عارض تجربة أيار (مايو) 1998 ولا يملك أي قاعدة سياسية محلية يمثلها. ورئيسة حزب المؤتمر، سونيا غاندي، وهي إيطالية المولد، رشحته رئيسا للوزراء عام 2004، لأنها تعتبره أقل تهديداً لابنها رهول غاندي في زعامة الحزب.
وسعياً وراء المجد الشخصي، وليس أي شيء آخر، جعل مانموهان سينج من الصفقة الذرية قضية هيبة ومكانة بالنسبة له، وأجبر حزب المؤتمر وحلفاءه الآخرين على شراء وتفسيخ أصوات المعارضة للبقاء أمام فكرة حجب الثقة البرلمانية التي تبناها اليسار وحزب بهارتيا جاناثا، في تموز (يوليو) العام الماضي.
وقبل إعلان الانتخابات العامة فإن الحكومة حالت دون الدعوة إلى اجتماع للبرلمان في الشتاء أو أواخر الشتاء، خوفاً من عدم القدرة على البقاء أمام جلسة حجب الثقة.
وبينما كان حزب بهارتيا جاناثا في السابق موافقاً على الصفقة النووية كأمر واقع (تتصف الهند بتاريخ تحسد عليه بعدم النكث بمعاهدة دولية) فإنه يتحدث الآن بلطف عن إعادة التفاوض عليها، لأن ذلك هو ما قد يريده شركاؤه المقبلون في التحالف، في ضوء الحملة الناجحة جداً للحزب الشيوعي الهندي الماركسي واليسار ضد الصفقة.
ومن ناحية أخرى، إذا حققت الجبهة الثالثة بقيادة الحزب الشيوعي الهندي، الماركسي انتصاراً جدياً فإن الصفقة النووية ستتعرض للضغط ولأن الولايات المتحدة قد لا ترغب في إعادة التفاوض حولها، فإن هناك فرصة خارجية لأن يتم التخلي عن الصفقة ككل.
وعلاوة على الصفقة النووية، يريد اليسار إعادة تقييم "للشراكة الاستراتيجية بأسرها" مع الولايات المتحدة التي عقدت في ظل الحكومات المتعاقبة برئاسة فاجبايي ومانموهان سينج، والأمين العام للحزب الشيوعي الهندي – الماركسي، براكاش كاراث، الذي يتزعم هذه الحملة المناهضة لأمريكا، في وضع كئيب بشكل خاص، من "الإطار الجديد للعلاقة الدفاعية بين أمريكا والهند التي عقدت في حزيران (يونيو) 2005، التي تسعى بشكل مثير للجدل إلى جعل الهند وأمريكا تتعاونان في العمليات متعددة الجنسيات"، وتوسيع التعاون المتعلق بالدفاع الصاروخي" و"المساعدة في بناء قدرة على نطاق عالمي للقيام بعمليات حفظ سلام ناجحة"، من بين أمور أخرى.
وحتى يصبح رئيس وزراء مرة أخرى، فإن مانموهان سينج منفتح على تعاون ثان مع اليسار، وفي ضوء فتور العلاقات مع إدارة أوباما على الأقل علانية، فقد ينتهج علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة لكن كاراث وزعماء آخرين من اليسار، يعارضون بشدة مانموهان سينج، وسيتعين على سونيا غاندي أن تستبدله، كأقل شرط لاسترضائهم، مع أن ذلك لن يكون سهلاً لها أو لهم، لكن في الوقت ذاته، فإن قضايا أخرى لكن مرتبطة مثل أزمة أفغانستان ـ باكستان، واتفاقيات مراقبة الاستخدام الأخير التي تغطي المبيعات العسكرية الأمريكية للهند، والالتزام بالعلاقات الهندية ـ الأمريكية، وهناك تصور يتنامى في كل أنحاء الطيف السياسي الهندي بأن أمريكا لا يمكن أن تكون شريكاً استراتيجياً دائماً وموثوقاً ومتفهماً للهند، والانتخابات العامة تثير ذلك التصور كثيراً.