Author

هل بدأ عصر "العوروبا".. وتراجع عصر التغريب؟

|
هل يتحدث الغرب بصدق حينما يزعم أن العرب بدأوا مرحلة جديدة من الاستعمار العربي لأوروبا، أم إن الغرب يثير هذه الحساسيات حتى يبرر حروبه وضرباته الاستباقية في أماكن مختلفة من العالم العربي والإسلامي؟ إن مفهوم العوروبا Eurabia أو أوروبا المستعربة، كما يسميها الغرب (وأنا أكتب المصطلح كما ورد في الأدبيات الغربية) يعني المحاولات التي يبذلها المهاجرون في أوروبا أو المحاولات التي تقوم بها الجاليات العربية الإسلامية لنشر الثقافة العربية الإسلامية في ربوع المجتمعات الأوروبية التي يسكنونها، وذلك تمهيداً لحكم عربي لأوروبا على قاعدة الأغلبية. إن أكثر من روّج لهذا المصطلح في الأوساط الثقافية والسياسية في أوروبا هي الكاتبة بات يوور في كتابها المشهور عند المهاجرين العرب بعنوان "عوروبا"، وهذه الكاتبة تخصصت في الهجوم على العرب والمسلمين في المهجر الأوروبى، وأهم ما تهتم به في كتابها هو الهجوم العنيف على الإسلام، لأن الإسلام ــ كما ترى ــ يحارب بضراوة الشذوذ الجنسي ويسلب المرأة حقوقها المشروعة!! طبعاً لا تخلو هذه الاتهامات من الإغواء والتطرف والمبالغات الشديدة والمدسوسة على العرب والمسلمين، ولكن لا ننكر أن الكثير من الأوروبيين يقبلون على الإسلام بقلب مفتوح ويتقدم بعضهم إلى اعتناق الدين الإسلامي والتحلل من أي ديانة أخرى دون إكراه أو جبر من المسلمين، ويساعد على ذلك أن القاعدة الغربية تقول إن حرية العقيدة مكفولة للجميع والكل حر في الممارسات التي يراها وفي اعتناق الديانة التي تروق له، ولكن الأوروبيين حينما رأوا تدفق أبناء جلدتهم على الدين الإسلامي بدأوا يتحفظون على حرية العقيدة، وطفقوا يرسلون التهم جزافاً ضد المسلمين المقيمين في أوروبا ويتهمونهم بممارسة العنف لاستقطاب المزيد من الأوروبيين إلى الدين الإسلامي الحنيف، وفى إحصائية رسمية نشرت أخيرا في أوروبا تقول إن نحو 45 في المائة من تعداد سكان أمستردام في عام 1999 كانوا من أصول أجنبية، وهى نسبة يتوقع ارتفاعها بحلول عام 2015 إلى 52 في المائة معظمهم من المسلمين، كما أن المهاجرين المسلمين يحافظون على معدلات أعلى في المواليد من السكان الأوروبيين، ووفقاً لأحد التقديرات فإن أكثر من 15 في المائة من الفرنسيين بين 16 و25 هم من المسلمين. ومع استمرار الهجرة والارتفاع النسبي في معدل المواليد واحتمال توسع الاتحاد الأوروبي نحو البلقان وتركيا، وتركيا التي تحاول باستماتة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن المزيد والمزيد من مواطني الاتحاد الأوروبي سيصبحون مسلمين، وتأسيساً على ذلك فإن المسلمين سيشكلون ما بين 20 إلى 90 في المائة من تعداد السكان في بعض أحياء المدن في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وستكون غالبيتهم من الشباب. إن العزلة الصارخة لكثير من المسلمين ــ خاصة الجيلين الثاني والثالث ــ شباب وفتيات ــ ولدوا في أوروبا وتشكل هذه الشريحة أعقد المشكلات الديموغرافية التي تواجه أوروبا اليوم، ولو استمرت الأوضاع كما هي عليه الآن، فإن تلك العزلة مع الاهتمام بتعميق الثقافة الإسلامية بين أبنائها.. يمكن أن تمزق ــ في المستقبل القريب ــ النسيج المدني لأعرق الديمقراطيات الأوروبية، بل هم يقولون إن الذين قاموا بالهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية في 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 من أمثال محمد عطا قد بدأوا يتطرفون حينما كانوا يعيشون في أوروبا، بل إنهم يقولون إن سلسلة الهجمات والاغتيالات التي تعرضت لها أوروبا وبالذات التفجيرات في مدريد ولندن إنما جاءت من المهاجرين المسلمين الشباب الذين كانوا يسكنون أوروبا . وبعيداً عن هذه المزاعم والهرطقة الأوروبية، فإن المجتمعات العربية الإسلامية تحرص على العيش بين المجتمعات الأوروبية بثقافتها الإسلامية وانعزالها العرقي والديني دون أن تجبر كائنا من كان على اعتناق الدين الإسلامي، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحن مقبلون على علاقات عربية ــ غربية هادئة بعد علاقات سيئة وحروب طاحنة ودامية شنها الغرب ضد العرب والمسلمين في أفغانستان وباكستان وفلسطين والعراق ولبنان وسوريا وإيران حتى السودان؟ نقول على الرغم من أن العرب والمسلمين يشعرون بالإحباط إزاء معاملة الغرب لهم سواء بالنسبة للعرب المقيمين في أوروبا أو بالنسبة للسياسات التي ينفذها الغرب إزاء القضايا العربية والإسلامية، فإن الرئيس الأمريكي الجديد باراك بن حسين أوباما قد يستطيع أن يمارس "التغيير" في العلاقات الإسلامية الأمريكية بعد الخراب الذي أحدثه الرئيس السابق جورج بوش في مضمار العلاقات الإسلامية الأمريكية، والجميع يعرف أن الرئيس بوش مارس كل أشكال وألوان الحقد ضد المسلمين بل جاهر بتجريب كل ألوان السلاح الفتاك ضد الأطفال والأرامل والشيوخ العرب والمسلمين حتى انتهى أخيراً إلى نشر الأحقاد والضغائن في ربوع المجتمعات الإنسانية في كل مكان من العالم، ثم توّج أعماله أخيراً بتوريط العالم في أزمة مالية عالمية مازال المجتمع الدولي يدفع ثمنها غالياً. والمؤسف أن بوش نجح في الترويج لثقافة الحرب على الإرهاب، وكان يقصد الحرب على الإسلام والمسلمين.. حتى أصبحت عبارة "الحرب على الإرهاب" تتصدر كل البيانات السياسية لكل الدول، وتتصدر الحملات الانتخابية والتصريحات الدبلوماسية في كل أنحاء العالم، وتتصدر القرارات السياسية للقمم الأمريكية والأوروبية، وللأسف حتى القمم العربية والإسلامية كانت تعلّق عبارة "الحرب على الإرهاب" في قلب البيانات والقرارات، ثم أصبح هذا المصطلح القميء مصطلحاً تلوكه وسائل الإعلام صباح مساء في كل دول العالم، ونستطيع القول إن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أقنع المجتمع الدولي بأعجوبة باستخدام عبارة "الحرب على الإرهاب" في كل الأدبيات السياسية رغم أن هذه العبارة َ فّصلت خصيصاً للحرب على الإسلام والمسلمين، بل المؤسف أن الرئيس بوش استعدى أوروبا على العرب والمسلمين الذين يسكنون أوروبا، وحذر أوروبا من أن تصبح "عوروبا" أو أوروبا المستعربة إذا تركت العرب يبثون ثقافتهم في المجتمعات الأوروبية التي يقيمون بين ظهرانيها، وعوروبا في نظر أصحاب نظرية صدام الحضارات هي ضد المسيحية وضد الغرب وضد السامية، وبهذا دخلت أوروبا ــ بجبهة عريضة ــ في موجة من العداء مع العرب والمسلمين المقيمين في أوروبا وأيضاً مع المجتمعات الإسلامية في كل مكان من الكرة الأرضية. ولكن الجديد أن الرئيس باراك بن حسين أوباما جاء إلى البرلمان الإسلامي في تركيا وطلب من المسلمين المصافحة والمصالحة، وخاطب العالم الإسلامي مباشرة ودعاهم إلى العمل على تنقية العلاقات التي لوثها الرئيس الأسبق بوش، وطبعاً هذا توجه جميل، ولكن ما ننتظره من الرئيس باراك بن حسين أوباما أن يترجم هذه التوجهات إلى سياسة حقيقية تنفذ على الأرض ويلمسها العرب والمسلمون بأم أعينهم.
إنشرها