الاستثمار المباشر أو الصناديق الاستثمارية: أيهما أفضل؟
كنت أتابع ببالغ الاهتمام مجريات الاستطلاع الذي أجرته "الاقتصادية" عن الاستثمار عبر موقعها الإلكتروني أخيرا، الذي أعلنت نتائجه في عددها الصادر في 08/05/2009 تحت عنوان: "88 في المائة يرفضون صناديق الاستثمار بعد ضياع حقوقهم". ولخص هذا الاستطلاع تفضيل أغلبية المساهمين الاستثمار المباشر على الاستثمار عبر الصناديق الاستثمارية، حيث أورد المشاركون جملة من الملاحظات على الصناديق الاستثمارية، أهمها أنهم يرون أن أداء صناديق الاستثمار كان أسوأ من المؤشر ككل (بالرغم من أنه يفترض أن يتغلب المدير المحترف على السوق ككل).
ورغبت في إجراء بحث للإجابة عن السؤال المتكرر: "ما الأفضل: أن تستثمر في السوق مباشرة أو عبر صناديق الاستثمار؟"، وذلك محاولة لمساعدة المستثمر الفرد على اتخاذ القرار المناسب. وكان لهذا البحث النتائج الثلاث التالية:
1. خلال الفترة الماضية، كان متوسط أداء صناديق الأسهم السعودية أفضل من أداء السوق ككل، وبالتالي فهي خيار مناسب للمستثمرين الذين لا يتمتعون بميزة نسبية عن غيرهم في مجال الاستثمار وانتقاء الأسهم.
2. على الرغم من أن متوسط أداء صناديق الأسهم السعودية كان أفضل من مؤشر السوق ككل، إلا أن هناك تباينا كبيرا في الأداء من صندوق لآخر، ما يحتم إحسان اختيار الصندوق للاستثمار فيه.
3. إن هدف الصناديق بصفة عامة ليس تحقيق الأرباح بصفة مطلقة، إنما فقط تحقيق أداء أفضل من السوق الذي تستثمر فيه (وهو ما نجحت فيه كما هو واضح من النتيجة الأولى بعاليه)، وبالتالي فالطريقة المُثلى لتجنب الخسارة بصفة مطلقة هي بالتنويع عن طريق انتقاء من الصناديق تستثمر في أسواق وفئات استثمارية مختلفة.
#2#
مقارنة الأداء
استدعت فضولي نتائج استفتاء "الاقتصادية"، فرغبت في اختبار الأداء التاريخي لصناديق الأسهم السعودية مقارنة بمؤشر السوق، فقمت بحصر الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في الأسهم السعودية وقارنت متوسط أدائها بتاريخ 11/03/2009 مع أداء مؤشر السوق "تداول" ككل. وقد كانت نتيجة الدراسة أن صناديق الأسهم السعودية تغلبت في متوسط أدائها على السوق ككل، فعلى سبيل المثال كان متوسط أداء صناديق الأسهم السعودية خلال الشهر السابق - 11.4 في المائة مقارنة بـ - 14.8 في المائة للسوق ككل، والصورة نفسها تتكرر لو نظرنا لفترات زمنية مختلفة، فنجد أن متوسط أداء صناديق الاستثمار عبر السنوات الخمس السابقة كان 8.9 في المائة، بينما كان أداء المؤشر في الفترة نفسها - 15.9 في المائة. والرسم البياني المرفق يقارن متوسط أداء جميع صناديق الأسهم السعودية بأداء مؤشر سوق الأسهم ككل.
نتيجة متوقعة
لعل هذه النتيجة متوقعة لحد ما، نظراً لأن مديري الصناديق عادة ما يكون لديهم خبرة أكبر ووقت أكثر للتحليل ودراسة الأسهم، إضافة إلى موارد مالية وبشرية أكثر، ما قد يعطيهم قدرة أكبر على انتقاء الشركات والتواصل مع إدارتها مباشرة، وبالتالي يمنحها ميزة نسبية على معظم المستثمرين الأفراد.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن على جميع المستثمرين الأفراد الاستثمار في الصناديق فقط، ولكن من الأحرى لأي مستثمر فرد أن يسأل نفسه: "هل لدي أي ميزة نسبية عن غيري تجعلني أقدَر على انتقاء الاستثمارات؟ مهما كانت هذه الميزة (كوجود خبرة أكبر لدي في مجال التحليل أو وقت أكثر لبحث الشركات أو موارد أفضل للمعلومات أو غيرها)" فإن كانت الإجابة "لا" فمن الأحرى أن أعطي الخبز لخبازه (كما في أي مجال يتطلب قدراً من التخصص).
من هذا العرض الموجز تبرز قيمة الصناديق الاستثمارية في استثمار مدخرات الأفراد (وأنا أحدهم)، نظراً لتغلبها على المؤشر في معظم الأحوال (خصوصاً للمستثمرين الأفراد الذين لا يملكون ميزة تنافسية تميزهم عن المستثمرين الآخرين في السوق).
تباين الأداء من صندوق لآخر
ولكن على الرغم من أن الدراسة أظهرت أن متوسط أداء صناديق الاستثمار كان أفضل من السوق ككل، إلا أنه كان هناك تفاوت كبير في الأداء من صندوق إلى آخر، فعلى سبيل المثال، في الفترة المنتهية في 11/03/2009 كان متوسط أداء جميع صناديق الأسهم السعودية في السنة السابقة - 53.56 في المائة (مما كان أفضل من سوق الأسهم ككل الذي خسر - 57.57 في المائة في الفترة نفسها)، لكن أداء صناديق الأسهم السعودية المختلفة كان متفاوتاً، حيث حقق أفضلها أداء - 40.12 في المائة، بينما حقق أسوأها أداء - 58.56 في المائة (أي أداء أسوأ من السوق ككل). والرسم البياني المرفق يقارن بين متوسط أداء صناديق الأسهم السعودية ككل وبين أفضلها وأسوئها أداء في فترات زمنية مختلفة، كما يظهر أداء مؤشر سوق الأسهم ككل في كل فترة. وعلى قول المثل "أصابع يدك ماهيب سوى".
لذا فإن المستثمر قد يكون اتخذ القرار الصائب في الاستثمار عبر صناديق الأسهم، إلا أنه لم يوفق في اختيار الصندوق الأنسب. ومن الملاحظ في هذه الدراسة أن أفضل الصناديق أداء في فترة معينة ليس بالضرورة هو أفضلها أداء في فترة أخرى. وذلك قد يرجع إلى مدى تناسب ظروف السوق مع استراتيجية مدير الصندوق أو إلى تغير الفريق الإداري في بعض الصناديق.
#3#
من هنا تبرز أهمية مقارنة أداء الصناديق المختلفة من فترة إلى أخرى في كل فئة استثمارية بغرض انتقاء الصندوق الأفضل.
أهمية التنويع بين الأسواق والفئات الاستثمارية المختلفة
لكن على الرغم من تباين صناديق الأسهم السعودية في الأداء، إلا أنه يظل من غير المتوقع أن تجد صندوق أسهم سعوديا يربح 50 في المائة في سنة يخسر فيها مؤشر السوق ككل 50 في المائة من قيمته، وذلك عملاً بالمقولة المشهورة "طيب السوق ولا طيب البضاعة". إذ إن المتفق عليه في عالم الاستثمار أن هدف مدير الصندوق ليس تحقيق الربح بصفة مطلقة، إنما تحقيق أداء أفضل من السوق الذي يستثمر فيه، بحيث يعمل على تحقيق ربح أكبر في السنة التي تحقق فيها السوق ربحاً وخسارة أقل في السنة التي تنخفض فيها السوق.
هنا قد يسأل سائل :"إذا كان مدير الصندوق لن يحقق لي الربح في السنة التي تخسر فيها السوق فما العمل إذاً؟" الجواب عن هذا السؤال يكمن في تنويع الاستثمارات. فعالَم الاستثمار ينقسم إلى فئات استثمارية عدة (كالأسهم والمرابحة والعقار والصكوك والسلع والمعادن)، ومعظم الفئات الاستثمارية تنقسم بدورها إلى عدد من الأسواق المختلفة، كما أن كل سوق يضم عدداً من الأوراق المالية أو الاستثمارات المختلفة. فعلى سبيل المثال: الأسهم هي إحدى الفئات الاستثمارية ضمن عالم الاستثمار. والأسهم بدورها تنقسم إلى عدد من الأسواق، فهناك على سبيل المثال الأسهم السعودية والأسهم الكويتية والأسهم الأمريكية وأسواق أخرى كثيرة (قد يفوق عددها 150 سوقاً). وكل سوق بدورها تضم عدداً من الأوراق المالية، فسوق الأسهم السعودية مثلاً تحتوي على ما يزيد على 120 شركة.
يتضح من هذا التقسيم أن الخيارات الاستثمارية تكاد لا تحصى. ولو توقفنا على مستوى الأسواق فقط يمكن القول إن العالم يحوي ما يفوق ألف سوق استثمارية مختلفة (على افتراض عشر فئات استثمارية مختلفة، و100 سوق لكل فئة استثمارية، من باب التبسيط)، لكننا نجد أن معظم المستثمرين يحصرون أنفسهم في كثير من الأحوال على فئة استثمارية واحدة (كالأسهم)، بل في سوق واحدة بعينها (كالأسهم السعودية). ونرى أن في ذلك تضييقا شديدا في الأفق الاستثماري، ما يجعل مصير المستثمر معلقاً بورقة واحدة مترفرفة من أوراق شجرة الاستثمار الباسقة، كما أن التركيز يُفّوّت على المستثمر كثيرا من الفرص في الأسواق الأخرى والفئات الاستثمارية الأخرى.
والرسم البياني المرفق يوضح الأداء السنوي عام 2008 لعدد من أسواق الأسهم في العالم (السعودية وأمريكا والصين والهند)، إضافة إلى فئات استثمارية أخرى (كالصكوك والعقارات العالمية والمرابحات والسلع والمعادن)، ففي هذه السنة كان أداء الأسهم السعودية سيئاً (- 56 في المائة) بل كان من الأسوأ أداء من بين الأسواق والفئات الاستثمارية الأخرى. لذا فالمستثمر المنوع الذي وزّع استثماراته بالتساوي بين تلك الاستثمارات المختلفة (على سبيل المثال) كان سيحقق أداء يبلغ - 38 في المائة (أو أفضل بمعدل 18 في المائة من سوق الأسهم السعودي). لذا تبرز أهمية التنويع عبر أسواق متعددة (كالسوق السعودية والخليجية والصينية والهندية وغيرها)، وإن أمكن أيضاً التنويع في فئات استثمارية مختلفة (كالأسهم والمرابحة والعقار والصكوك والسلع والمعادن). فكلما زاد التنويع قل احتمال الخسارة جراء هبوط استثمار واحد أو سوق واحدة، وذلك عملاً بالقول المأثور: "لا تضع بيضك في سلة واحدة." (خصوصاً إذا كنت لا تملك غيره وتغامر بالموت جوعاً إذا ما فُقد أو انكسر).
وفي هذا الصدد نورد المثال التالي: تَصوّر أن الأسواق والفئات الاستثمارية المختلفة هي بمثابة مُكونات متنوعة في مطبخك، فإذا كنت بصدد إعداد وجبة فلن يكون من المعقول أن تستخدم مُكوّنا واحدا فقط (إلا إذا كان هذا المُكوّن هو الهاتف بأن تطلب من مطعم). حتى لو افترضنا أنك ترى أن الفئة الاستثمارية والسوق التي تستثمر فيها هي الأفضل على الإطلاق، فكذلك في الطبخ هناك مكونات مفضلة يحبها الشخص وتميل لها نفسه، فأنا شخصياً أقّدِر لحم التيس وأحب السُكَّر، ولكني لن أفكر يوماً أن أُعِدّ تيسا وحده ومن ثم أُحلي بطبق سُكَّر خالص، فالتيس لا بد له من تتبيل وتبهير، والسُكَّر لا يصلح إلا إذا خُلِط مع مكونات ثانية ليُكّوِن أشهى الحلويات. لِذا من المنطلق نفسه يجب على المستثمر الحرص على التنويع، إما على سبيل الخلط وإما على الأقل على سبيل التتبيل.
وللأسف الشديد فإن المستثمرين الأفراد في السنوات الماضية نسوا (أو تناسوا) أهمية التنويع، فصبوا مدخراتهم كلها في فئة استثمارية واحدة (الأسهم) وفي سوق واحدة (الأسهم السعودية)، ما أدى لأن أصبحت تعصف بهم أي ريح تهب بالأسهم السعودية (وكلنا نعلم كثرة تعرضنا للعواصف الرملية). ومما زاد الطين بلّة أن كثيرا من موظفي الاستثمار كانوا يركزون على بيع المنتج المطلوب دون الالتفات لتقديم المشورة أو أهمية التنويع.
من هذا العرض الموجز تبرز أهمية تنويع الاستثمارات قدر المستطاع، وقيمة الصناديق الاستثمارية تكمن ليس فقط في إدارة الاستثمارات في الأسهم السعودية، إنما أيضاً في إدارة الاستثمارات في الأسواق الأخرى (كالسوق الصينية أو الأمريكية) أو حتى الفئات الاستثمارية الأخرى (كالمرابحة والعقار والصكوك والسلع والمعادن) التي قد لا يكون للمستثمر ميزة نسبية أو دراية بها، وبالتالي فصناديق الاستثمار تساعد المستثمر الفرد في تحقيق التنويع الأمثل.
النتيجة
من هذا البحث تبرز قيمة الصناديق الاستثمارية في استثمار مدخرات الأفراد (وأنا أحدهم)، نظراً لتغلبها على المؤشر في معظم الأحوال (خصوصاً للمستثمرين الأفراد الذين لا يملكون ميزة تنافسية تميزهم عن المستثمرين الآخرين في السوق)، ولكن يجب دائماً مقارنة أداء الصناديق المختلفة من فترة إلى أخرى في كل فئة استثمارية بغرض انتقاء الصندوق الأفضل (وذلك نظراً للتباين الكبير في أدائها)، والأهم من ذلك حرص المستثمر على تنويع استثماراته قدر المستطاع عن طريق توزيع استثماراته بين الأسهم السعودية وبين صناديق تستثمر في أسواق أخرى (كالسوق الصينية أو الأمريكية) أو حتى في فئات استثمارية أخرى (كالمرابحة والعقار والصكوك والسلع والمعادن) التي قد لا يكون للمستثمر ميزة نسبية أو دراية بالاستثمار فيها.