لماذا تأخر إعلان البرنامج النهائي لحزب الإخوان المسلمين في مصر؟

مر نحو عامين على إعلان جماعة الإخوان المسلمين في مصر مشروع البرنامج السياسي للحزب الذي يعبر عنها، بالرغم من أنها أعلنت في الوقت نفسه أنها لن تتقدم أبداً بطلب رسمي للجنة شؤون الأحزاب المصرية لإنشائه بسبب عدم موافقة الجماعة على تشكيلها وعلى نصوص القانون المنظم لقيام الأحزاب في مصر. وقد بدا غريباً بالنسبة لعديد من المراقبين للشأن المصري عموماً ولجماعة الإخوان المسلمين خصوصاً أن الأخيرة حرصت على تسريب مسودة ذلك البرنامج في الوقت نفسه الذي أكدت فيه عدم نيتها التقدم لإنشاء حزب سياسي، وهو الأمر الذي خضع لتفسيرات وتأويلات كثيرة كان القاسم بينها هو أن الجماعة أرادت بذلك أن تؤكد وجودها القوي كرقم رئيس في الحياة السياسية المصرية وأن تعلن في الوقت نفسه إجاباتها حول أسئلة تتعلق بمواقفها من بعض القضايا الرئيسة للرأي العام المصري.
في كل الأحوال فقد أثار مشروع برنامج حزب الإخوان جدلاً واسعاً في المجتمع السياسي المصري وآخر أقل منه بدرجات بين صفوف الجماعة نفسها، وتركز بصفة خاصة حول نقطتين رئيسيتين وردتا فيه: الأولى تتعلق باقتراح الجماعة تشكيل لجنة من كبار العلماء تكون وظيفتها مراقبة عملية تشريع القوانين حيث لا تصدر مخالفة للشريعة الإسلامية، والأخرى بإعلان مسودة البرنامج أنه لا حق لكل من النساء والأقباط المصريين في تولي المنصب الأعلى في البلاد سواء كان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. وقد بدا واضحاً من النقاش العام الذي دار في مصر حول هاتين النقطتين أن هناك اعتراضات واسعة وقوية من أغلبية القوى السياسية المصرية عليهما كما أن هناك أصواتا غير قليلة من قيادات الجماعة وأعضائها أبدت أيضاً اعتراضها عليهما مطالبة بإعادة النظر فيهما بما يأخذ في الحسبان الاعتراضات الكبيرة التي أتت عليهما من الأطراف المختلفة في الساحة السياسية المصرية.
وبالرغم من الفترة الطويلة التي مضت منذ إعلان مسودة البرنامج واتساع وحدة الحوار حول النقطتين السابقتين، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر لم تحسم الموقف النهائي بعد من البرنامج المقترح لحزبها السياسي ولم تعلن موقفاً نهائياً من أي من النقطتين. ولا ينفي حقيقة هذا أن قيادات الجماعة العليا أعلنت في بعض المناسبات أخيرا أن هناك اتجاهاً شبه نهائي في داخل الجماعة لإلغاء اقتراح لجنة كبار العلماء التي تراقب عملية التشريع وترك ذلك للمحكمة الدستورية العليا وقبلها لمجلسي البرلمان بشرط أن يتم انتخابهما بصورة ديمقراطية حرة. وقد صدر عن قيادات عديدة من الجماعة خلال الشهور الأخيرة عديد من التصريحات بأنها على وشك إعلان النسخة النهائية من برنامج حزبها السياسي، إلا أنه حتى اللحظة لم يحدث ذلك ولم يصدر أي تصريح واضح من أي من قيادات الجماعة يحدد موعداً دقيقاً لهذا الإعلان.
وبذلك فبعد نحو عامين من إعلان مسودة ذلك البرنامج وبعد أكثر من 80 عاماً من قيام جماعة الإخوان نفسها، لا يزال المجتمع المصري ومختلف قواه السياسية وقطاعات نخبته ينتظرون من الإخوان إجابات واضحة عن الأسئلة الأساسية التي لم تحسم الجماعة معظمها بصورة قطعية واضحة في أي وثيقة من وثائقها المتتابعة بالرغم من تقديمها في بعض الأحيان ملامح إجابات بدت غير مستقرة ولا نهائية. ولا شك أن بعضاً من إجابات تلك الأسئلة الأساسية التي يطرحها المصريون على الإخوان المسلمين قد ورد في مشروع برنامج الحزب المشار إليه، إلا أن الأساسي منها ـ وكما سبق تحديده بدقة - جاء مخيباً للآمال ومتعارضاً بل ومتناقضاً مع ما يطمح المصريون إلى بنائه من مجتمع ودولة قائمين على قيم ومبادئ المساواة والعدل والمواطنة وغيرها مما استقرت البشرية بعد كل سنوات تطورها إلى كونه الأساس الوحيد الذي يمكن أن يقوم عليه مجتمع حديث.
الأمر في الحقيقة اليوم وبوضوح كامل يتعلق بالجماعة قبل أن يتعلق بحزبها السياسي أو مشروع برنامجه، فالجماعة هي الأصل وهي الواقع الذي عاش ثمانين عاماً، أما الحزب فهو محض مشروع افتراضي لا نعرف له وجوداً واقعياً ولا مصيراً معروفاً، وبالتالي فالأسئلة التي يبحث الجميع عن إجاباتها مطروحة على الجماعة وليس على حزب قد يقوم أو لا يقوم. والجماعة بدورها مطالبة اليوم بتقديم إجاباتها عن هذه الأسئلة بالصورة التي تراها مناسبة لرؤيتها الفكرية وحركتها العملية، على أن تكون من الوضوح والصراحة بما لا يترك وراءها مجالاً للتفسير أو التأويل أو المراوحة. ولأن الحديث في هذا السياق عن الجماعة، فلا أحد مخول أو مؤهل للحديث عنها وباسمها والإجابة عما هو مطروح عليها من أسئلة سوى هيئتها العليا ممثلة في مكتب إرشادها وعلى رأسها محمد مهدي عاكف باعتباره مرشدها العام و الممثل الوحيد الرسمي لها.
إن الهدف الرئيس من مطالبة الجماعة بهذا التوضيح والتحديد ليس هو مناقشة أو مجادلة الإخوان المسلمين فيما يعتقدون ويتبنون من رؤى للإصلاح أو للتغيير في المجتمع والدولة من زاوية الصواب أو الخطأ، فهم أحرار – كغيرهم من القوى السياسية والاجتماعية ـ في تبني ما يشاءون، وللمصريين وحدهم كمواطنين وناخبين كاملي الحرية أن يختاروا ما يطرحه الإخوان من حلول لمشاكلهم وأن يدفعوا ثمن هذا الاختيار إيجاباً أو سلباً. إلا أن توافر حرية التبني من جانب الإخوان لما يرون من سياسات وحلول لمشاكل البلاد يجب أن يترافق معه وقبله حق المصريين في معرفة توجهات الجماعة ومواقفها تجاه القضايا الرئيسة بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي