قراءة في استراتيجية التعليم الفني والتدريب المهني

[email protected]

لعل من الإنجازات المتميزة التي تضاف إلى رصيد جهود التطوير في المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تبنيها مفهوم التخطيط الاستراتيجي وأساليبه وتمكنها من إعداد خطة استراتيجية للفترة من 1428 إلى 1452هـ تحت شعار "التدريب من أجل التنمية". وحددت المؤسسة رسالتها في هذه الخطة الاستراتيجية بتوفير التدريب التقني والمهني للإسهام في التنمية الوطنية المستدامة, وركزت رؤيتها على تحقيق ريادة عالمية في مجال التدريب التقني والمهني, كما استندت المؤسسة في ممارساتها وتنظيماتها إلى قيم إسلامية أصيلة تؤكد الاعتزاز بالانتماء للمجتمع التقني والمهني، الانضباط, الإتقان, والمسؤولية والمبادرة, كما تضمنت الخطة الاستراتيجية عشرة أهداف استراتيجية انبثقت منها مجموعة من السياسات والمبادرات لتحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية, وأخيراً تمت الإشارة إلى الخطة التشغيلية الموضحة لآليات التنفيذ ومؤشرات الأداء والإنجاز وفقاً لثلاث مراحل: قصيرة المدى, متوسطة المدى، وطويلة المدى, بما يتلاءم مع طبيعة السياسات والبرامج المراد تطبيقها.
إن نظرة فاحصة إلى مضامين هذه الخطة الاستراتيجية تكشف أن أهدافها الاستراتيجية ركزت على ثلاثة أبعاد, هي: البعد البشري, بعد الشراكة, والبعد المؤسسي. أما ما يتعلق بالبعد البشري, وعلى وجه التحديد تنمية المواطن الإنسان بوصفه أغلى الثروات الوطنية, فلقد ركزت الأهداف الاستراتيجية الثلاثة الأولى على قضايا استيعاب المتدربين وتأهيلهم وتوظيفهم في إطار منظومة متكاملة تؤكد المغزى الحقيقي من إقامة المؤسسات التدريبية. ليس ذلك فحسب بل إن الاهتمام بالبعد البشري والتنمية الإنسانية يتواصل في الهدفين الاستراتيجيين السادس والسابع, من خلال معالجة الصورة الذهنية السلبية العالقة عن منسوبي المؤسسة والملتحقين بها والخريجين فيها, ومن خلال تبني مفهوم الرعاية الشاملة والتنمية المهنية المستدامة لشاغلي الوظائف التدريبية في المؤسسة .
كما حظي, بعد الشراكة, على قدر عال من العناية والاهتمام بالأهداف الاستراتيجية لخطة المؤسسة, انطلاقا من أن التدريب والتعليم هما توأما التربية، والتربية مسؤولية مجتمعية تتطلب مشاركة كل شرائح المجتمع وأفراده ومؤسساته الحكومية والأهلية على حد سواء, والشراكة بمفهومها الواسع ليست قصراً على المؤسسات والأفراد داخل المجتمع المحلي, بل تتعدى ذلك إلي الشراكة على النطاق الإقليمي والدولي, والشراكة أيضا تتضمن الشريك الوطني المستثمر وفي الوقت نفسه تتيح الفرصة للشريك الأجنبي المستثمر في إطار الاحترام المتبادل والمصلحة المتبادلة, وأخيراً فإن الشراكة تعني فيما تعني, تحقيق التنسيق والتكامل مع المؤسسات المماثلة أو المتناظرة، وفي ضوء ما سبق فإنه من باب أولى أن تحمل الأهداف الاستراتيجية في مضامينها ما يؤطر لمفهوم الشراكة من منظور شمولي.
أما البعد المؤسسي الذي يعني توفير البينة المحفزة على التدرب والتدريب, وتطبيق معايير الجودة الشاملة والتميز التدريبي, وربط التدريب باحتياجات ومتطلبات سوق العمل، يلاحظ أنه احتل قدراً مناسبا في الأهداف الاستراتيجية لخطة المؤسسة بما يهيئ لها الارتقاء في مدارج الريادة العالمية في مجالات التعليم الفني والتقني والتدريب المهني.
وفي تقديرنا أن الخطة الاستراتيجية للمؤسسة, خطة طموحة مستكملة لأهم العناصر والخطوات العلمية المتعارف عليها في مجال التخطيط الاستراتيجي, إلا أن وضع هذه الخطة موضع التنفيذ يعتبر مسؤولية مجتمعية بالدرجة الأولى يتطلب تضافر جهود صناع القرار والمؤثرين في صناعته. وفي هذا المقام أتوجه إلى جميع القيادات المجتمعية الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار الوطني فيما يخص التدريب المهني والتقني, وعلى وجه التحديد أعضاء اللجان الفنية المختصة في مجلس الوزراء, وأعضاء مجلس الشورى، وأعضاء الغرف التجارية والصناعية, وأساتذة الجامعات وغيرهم, بدعم هذه الخطة الاستراتيجية الواعدة حتى تدخل حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي, ولا سيما أننا في هذا الوطن الغالي ننعم بالعيش في عصر القيادة الإنسانية, ممثلة في ملك الإنسانية مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي عهده الأمين, يحفظهما الله، المشهود لهما قولاً وفعلاً بدعم القرارات السياسية التي تصب في صالح الإنسان السعودي على وجه العموم، وتستهدف كل ما من شأنه الارتقاء بالجوانب التعليمية والتدريبية للمواطنين على وجه الخصوص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي