تفعيل البعد الدولي في الحماية القانونية للعلامات التجارية
أصدرت السعودية أنظمة تكفل حماية العلامات التجارية آخرها النظام الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/21) وتاريخ 28/5/1423هـ.
والحقيقة إن هذا النظام منح للعلامات التجارية حماية قانونية فاعلة باعتبارها إحدى الوسائل المهمة التي يستخدمها التاجر أو الصانع أو موزع الخدمة لدعم تجارته أو سلعته أو الخدمة التي يؤديها, ومن ثم فهي تؤدي وظيفة مزدوجة لصاحبها؛ حيث تسمح له بتمييز سلعته وخدماته عن سلع وخدمات الآخرين من ناحية, كما تُفيد المستهلك حيث تُعتبر بمثابة مؤشر يسمح له بالتعرف على ما ينشده من سلع وخدمات بسهولة من ناحية أخرى, مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني للدولة بصفة عامة. ولهذا فقد وضع النظام مجموعة من الشروط والضوابط التي تكفل المحافظة على مصالح كل من التاجر أو الصانع أو مقدم الخدمة والمستهلك. وضماناً لاحترام هذه الشروط والضوابط فقد نص على مجموعة من الأفعال التي تتم ضد العلامة التجارية وتؤثر سلباً في تحقيقها وظائفها, فجرم هذه الأفعال كتقليد العلامة التجارية واغتصابها واستعمال علامة مقلدة أو مزورة أو إيهام الغير بتسجيل علامة معينة. ويكون بذلك قد وضع إطاراً قانونياً لحماية العلامات التجارية جنائياً ومدنياً وإجرائياً.
وفي الواقع أن ما قرره النظام السعودي في هذا الصدد يكاد يتفق في مجمله مع ما قررته بعض القوانين العربية الحديثة في هذا المجال, مثل قانون العلامات التجارية للإمارات رقم 37 لسنة 1992 والقانون المصري رقم 82 لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية الذي خصص الباب الأول من الكتاب الثاني منه للعلامات والبيانات التجارية, والقانون النموذجي للدول العربية بشأن العلامات والأسماء والبيانات التجارية وأعمال المنافسة غير المشروعة.
ولكن هذه الحماية القانونية الداخلية للعلامات التجارية لا تكفي, في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي يشهده العالم, وانتقال الأفراد والبضائع عبر الحدود الدولية, لهذا فقد سعت الدول إلى إقرار قواعد دولية تكفل حماية قانونية أكثر فاعلية للعلامات التجارية فيما وراء الحدود, كما تكفل حماية قانونية للعلامات التجارية المملوكة للأجانب المقيمين داخل الدولة الذين يمتلكون استثمارات أجنبية في صورة مشاريع ومنشآت صناعية أو تجارية فيها. فتم توقيع بعض الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد مثل اتفاقية باريس في 20 آذار (مارس) 1883 لحماية حقوق الملكية الصناعية بمعناها الواسع التي أخذت بمبدأ التشبيه في المعاملة بين مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للملكية الفكرية ومواطني الدولة التي تجري فيها الحماية, واتفاقية مدريد الموقعة في 14 نيسان (أبريل) 1891م المعدلة عدة مرات, وصدرت لائحتها التنفيذية في 21 حزيران (يونيو) 1974 التي قررت نظاماً دولياُ للإيداع الدولي للعلامات التجارية أجازت بموجبه لكل شخص تابع لإحدى الدول المتعاقدة أو مقيم فيها أو له محل عمل أن يضمن حماية علامته التجارية المسجلة في بلده الأصلي في جميع هذه الدول, متى تقدم بطلب تسجيل دولي لدى الجهة المسؤولة في البلد الذي سبق لمقدم الطلب تسجيل علامته فيه. كما أن الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة المعروفة اختصاراً باسم (اتفاقيات الجات), التي دخلت حيز التنفيذ عام 1947, والتي تطورت من خلال ما يعرف باسم مفاوضات أورجواي من عام 1970 حتى كانون الأول (ديسمبر) 1993, سعت إلى تحرير التجارة الدولية وإزالة الحواجز الجمركية وجميع الوسائل الحمائية, وتم التوقيع على هذه الاتفاقية في مراكش في 15/4/1994, وصدر إعلان مراكش بحضور 120 دولة, وأنشئت منظمة التجارة العالمية التي تقوم بدور جهاز الشرطة والجهاز القضائي في مجال حل الخلافات التجارية وتسويتها. وتضمن إعلان مراكش ملحقاً يتعلق بحقوق الملكية الفكرية هو الملحق رقم 12, ومن أهم المسائل التي تثير المنازعات موضوع العلامات التجارية, حيث وضعت قواعد لحماية العلامات التجارية منها ما ورد في البند الأول من المادة (16) من الملحق (12) الذي يعطي لمالك العلامة المسجلة الحق في منع الغير من استعمال العلامة نفسها لتمييز منتجات أو خدمات مطابقة أو مشابهة للمنتجات أو الخدمات التي تميزها العلامة المسجلة حينما يؤدي ذلك الاستعمال إلى احتمال الخلط.
ولهذا فإنني أرى أن تحقيق الفاعلية للحماية النظامية للعلامات التجارية التي تتم على المستوى الداخلي للمملكة لا يكفي وحده في ظل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وما تكفله من حرية للتجارة العالمية وفتح الحدود الجغرافية بين المملكة ومختلف دول العالم, ومن ثم أرى ضرورة تفعيل الحماية الدولية من خلال القواعد التي وضعتها الاتفاقيات الدولية التي سبقت الإشارة إليها؛ خاصة أن السعودية أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية في مجال التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات الأجنبية, التي تتضمن عادة نصوصاً تقرر ضرورة حماية العلامات التجارية للمشاريع الاستثمارية التي تتم في إطارها.
كما أرى ضرورة التوسع في تجريم الأفعال المتعلقة بالاعتداء على العلامات التجارية, بحيث يشمل ذلك تجريم الاستعمال الشفهي لعلامة تجارية مملوكة للغير, مثلما فعلت بعض القوانين العربية كالقانون اللبناني, مثال ذلك لو طلب عميل سلعة معينة تحمل علامة تجارية معروفة فسلمه التاجر سلعة أخرى لا تحمل العلامة التجارية المحددة نفسها, كما أنه يمكن تجريم تعمد إغفال وضع علامة تجارية مسجلة على المنتجات التي تميزها, حيث إن هذا الإغفال يتضمن إخفاءً لحقيقة وجود العلامة التجارية التي يكون لها اعتبار خاص عند المستهلك, ومن ثم فإنه يشكل نوعاً من الغش التجاري.