جمعية حوكمة حقوق صغار المساهمين .. متى وكيف؟

جمعية حوكمة حقوق صغار المساهمين .. متى وكيف؟

جمعية حوكمة حقوق صغار المساهمين .. متى وكيف؟

[email protected]

اشتمل اللقاء السادس عشر لجمعية الاقتصاد السعودية على عدد من الجلسات وحلقات النقاش تناولت البنوك المحلية, خدماتها المصرفية والاستثمارية, توجهاتها نحو التعاملات الإسلامية, التأمين وتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة, التمويل العقاري, وسوق الأسهم. والمتتبع لما طرحه المشاركون في أوراقهم وكلماتهم, والحاضرون في أسئلتهم ومداخلاتهم, تتضح له الصورة جلية, أن قطاعنا الخاص لا يزال في الطور الأول من أطوار التكوين, التي مرت بها النظم الاقتصادية العالمية, وأنه ربما يحتاج إلى عقدين من الزمن أو أكثر لكي يكتمل نموه ويبلغ نضجه المنشود إذا ما تضافرت الجهود نحو بنائه, فسوق المال التي هي شريان الدورة الاقتصادية والقادرة على إعادة المدخرات إلى الأنشطة الاقتصادية لا تزال ينقصها بعض من الأنظمة والتشريعات والأجهزة التنظيمية البنيوية, وكذلك بث الوعي الاستثماري الصحيح لدى جميع منظمات المجتمع وشرائحه وأفراده.
وقد يكون أهم الأسباب التي أدت إلى تشكل فقاعة سوق الأسهم وانفجارها بشكلها الكارثي هو عدم اكتمال سوق المال. والمحلل المالي المطلع على مراحل نمو الأسواق المالية العالمية ينظر إلى الحادثة بدرجة عالية من التفاؤل ويرى أن الآثار المتوقعة لتلك الكارثة ستكون إيجابية سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي, إذا ما تمت الاستفادة منها على المنهج الصحيح وعن القرارات التي تمثل ردود أفعال ظرفية, فجميع الأسواق المالية العالمية لم تبلغ مراحل النضج والتكامل إلا من خلال المرور بعديد من الحوادث والكوارث المالية.
وقبل تشكل تلك الفقاعة كان معظم شرائح المجتمع وأفراده بعيدين بشكل أو بآخر عن سوق الأسهم, لأنهم كانوا ينظرون إلى الدخول في الاكتتابات الأولية أو شراء أسهم الشركات المطروحة في السوق على أنه استثمار طويل الأجل, وتجنبوا الاستثمار في تلك الشركات بسبب فقد الثقة بالإدارات التنفيذية, وعدم مصداقية وفاعلية مجالس إداراتها, وحصروا استثماراتهم في المساهمات العقارية و(الشركات والأفراد) التي تدعي توظيف الأموال بعوائد خيالية. وعندما سئم الناس من مماطلة تجار المساهمات العقارية ومفاجآت العوائد الخيالية وفقدوا فيها الكثير من مدخراتهم بدأت شرائح المجتمع وأطيافه تتجه إلى الدخول في سوق الأسهم (عندما بدأت تتشكل الفقاعة) رغبة في تحقيق عوائد سريعة سواء من الاكتتابات الأولية للشركات المطروحة أو من خلال المضاربة على أسهم الشركات دون النظر إلى العوائد الاستثمارية المستقبلية, حتى أصبح عابر الطريق يعلم بوجود اكتتابات جديدة في سوق الأسهم من خلال مشاهدة الطوابير المصطفة أمام بوابات البنوك أو مخيماتها المنصوبة من أجل الاكتتاب.
حدثت الكارثة وخسر من خسر وما أكثرهم, وربح من ربح ويمكن عدهم, لكن الدرس المستفاد يتمثل في وضوح الحاجة إلى بناء سوق مالية متكاملة تكون قادرة على إعادة المدخرات إلى الدورة الاقتصادية, وهيئة سوق المال تسعى بخطى تسابق عقارب الساعة مع الوزارات والمنظمات المعنية من أجل اكتمال بناء تلك السوق ولكن مسؤولية البناء لا تنحصر في إدارات ومنظمات حكومية محدودة بل تقع على جميع الممارسين والمختصين, وأحسب ما قامت به جمعية الاقتصاد السعودية في لقائها المذكور ينصب في ذلك الاتجاه وتأكد ذلك في الجلسة الختامية التي أكد فيها المشاركون أهمية تعميق السوق وأهمية اكتمال أنظمتها وتشريعاتها والترخيص لعدد من شركات الوساطة المالية والدور الذي تلعبه أنظمة حوكمة الشركات في إفصاحها عن معلومات ذات شفافية عالية يستطيع أن يستخدمها المتعاملون في السوق برشد تام.
وفي تلك الجلسة وفيما يخص حوكمة الشركات, كانت لي مداخلة, أحسبها لاقت شيئا من القبول لدى بعض المشاركين والحاضرين, ناديت فيها بتأسيس جمعية تعنى بحوكمة حقوق صغار المساهمين في الشركات المساهمة. وتتمثل هذه الفكرة بأن يتم تشكيل الجمعية من مجموعة من المتخصصين والممارسين لمهن كالمحاسبة, والإدارة, والاقتصاد, والتسويق, والهندسة وغيرها, ثم تحصل هذه الجمعية على توكيل من صغار المساهمين وحتى بعض كبار المساهمين الذين لا يرغبون في دخول مجالس الإدارة وحضور الجمعيات العمومية, ولكن يحدد سقف أعلى لنسبة التمثيل, 30 في المائة مثلا, وذلك لضمان عدم التأثير بدرجة ربما تفوق حقوق كبار الملاك, ومن ثم يدخل أعضاء الجمعية في مجالس إدارات الشركات المساهمة ويشاركون في مناقشات الجمعيات العمومية مما يضمن الدفاع عن حقوق موكليهم بأسلوب مهني احترافي من خلال تأكيد تفعيل أنظمة حوكمة الشركات والرشد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تؤثر في مستقبل تلك الشركات, وهذا بدوره يضمن حوكمة الشركات بشكل كلي.
قد يبدو أن الهدف الأساسي لهذه الجمعية هو الدفاع عن حقوق صغار المساهمين فقط ولكن الأمر ليس كذلك, بل إن هدف هذه الجمعية يمتد إلى المشاركة في بناء سوق مال سعودية قوية من خلال التأكد من الحوكمة الكلية للشركات المساهمة, فإذا اتصفت التقارير المالية والتصريحات العامة للشركات بالمصداقية والشفافية التامة فإن المتعاملين في السوق سيستخدمون مثل هذه المعلومات بدرجة عالية من الرشد الاقتصادي. وسيقبل المستثمرون الصغار قبل الكبار على الاكتتابات الأولية أو شراء أسهم الشركات المطروحة في السوق بهدف الاستثمار وليس المضاربة, كيف لا ولديهم درجة عالية من التأكد لحصولهم على العوائد الاستثمارية المنشودة؟ ولزيادة فاعلية تلك الجمعية في عملية بناء سوق المال السعودية, قد تصدر تلك الجمعية تقارير دورية وظرفية عن أوضاع الشركات التي لها تمثيل بمجالس إداراتها.
هذه هي الفكرة المبدئية لهذه الجمعية التي أتمنى أن تجد درجة عالية من القبول لدى هيئة سوق المال ووزارة التجارة والصناعة والجمعيات السعودية المتخصصة كجمعية المحاسبة السعودية, وجمعية الاقتصاد السعودية وجمعية الإدارة السعودية وبين جميع المتخصصين والممارسين للمهن ذات العلاقة ببناء سوق مال تتصف بالرشد في استخدام المعلومات المتاحة.

الأكثر قراءة