التنمية المتوازنة والمستدامة وحلم التحقيق
التنمية Development مصطلح اقتصادي اجتماعي سياسي تُعنى بالتغييرات الأساسية في الهياكل الإدارية والاقتصادية القطاعية, خصوصاً القطاعات الأكثر ديناميكية.
كما أن التنمية تُعرف بأنها الإجراءات والسياسات والتدابير المعتمدة التي تهدف إلى التغيير الكمي والنوعي في بنيان وهيكل الاقتصاد الوطني من خلال اكتشاف موارد طبيعية جديدة واستقطاب رؤوس أموال تساعد على تحقيق زيادة سريعة ودائمة في متوسط دخل الفرد خلال فترة زمنية مع توفير فرص العمل من خلال توطين المشاريع الاستثمارية ذات البعد الاقتصادي الكبير, التي تساعد على إنشاء وقيام مؤسسات صغيرة بحيث يتم توفير فرص عمل على المستويين الكبير والصغير.
ويخلط الكثير من المسؤولين والمهتمين بالشأن التنموي بين التنمية والنمو, ويعتقدون أنهما مصطلحان يؤديان الغرض نفسه, ولهذا يغلب على جميع أعمال الجهات المعنية بالتنمية في المملكة فكر ومفهوم النمو, وأدى ذلك إلى عدم تحقيق أهداف التنمية, لأن المسؤولين أصبح هدفهم تحقيق الحد الأدنى ومتابعة ذلك, بينما الأصل في التنمية هو تحقيق الحد الأعلى والاستمرار فيه حتى تحقق التنمية أهدافها.
والتنمية المتوازنة والمستدامة تأتي عندما تستوعب الأجهزة المعنية الفرق بين مفهوم النمو والتنمية، والتنمية المتوازنة دعوة إلى أهمية نشر خيرها على كامل الحيز الجغرافي لكل دولة، وفي السعودية تمثل المناطق الممثلة للتقسيم الجغرافي الحيز الثاني لتوطين التنمية ونشر خيرها, ولهذا فإن الاهتمام بدور إمارات المناطق ومجالسها في تحقيق ذلك يأتي اليوم على قائمة الأولويات التي يجب التركيز عليها, خصوصاً مع الزيادات السكانية وانتشار العمران والخدمات في مختلف المدن والقرى، والاعتماد على النظرة القاصرة المبنية على تأكيد وتأصيل الدور المركزي للأجهزة المركزية في الوزارات وإصرار القائمين عليها على إدارة التنمية في مختلف المناطق ومدنها وقراها بالأسلوب والمنهج نفسه على نظرية مقاس واحد يناسب الجميع one size fits all هو توجه لا يبشر بخير ولا يحقق توجهات وتطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, يحفظه الله, في نشر التنمية والوصول بها إلى مختلف سكان المملكة. ولعل الشواهد التي نراها اليوم بعد جولاته, يحفظه الله, أن الكثير من المشاريع التي اعتمدها ووضع حجر أساس لها ما زالت تراوح بين مكاتب المسؤولين في الأجهزة الحكومية المركزية مع زملاء لم تطأ أرجلهم تلك المناطق المستهدفة ولم يشاركوا في وضع التصورات التي اعتمدها, يحفظه الله.
إن المرحلتين الحالية والمقبلة تتطلبان إعادة النظر في العلاقة بين مجالس المناطق والأجهزة المركزية وتجسير الفجوة بينهما والعمل على إعادة هيكلة المسؤوليات والصلاحيات والخروج من شرنقة الوصاية والاعتقاد أن مسؤولي الأجهزة الحكومية المركزية هم أعلم وأفهم وأحرص وآمن على حقوق ومصالح المناطق ومواطنيها من مسؤوليها وأهلها.
لقد عملت السعودية خلال العقود الماضية على رسم رؤية تنموية تحقق لها تنمية متوازنة تقضي على أسباب الهجر العالية للسكان من مختلف المناطق ومدنها وقراها إلى المدن الرئيسية الثلاث في المملكة، ولقد تنبهت الحكومة لهذا الأمر مع بداية الخطة الخمسية الرابعة عندما دعت إلى أهمية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وداخل كل منطقة، وبناءً عليها تم إعداد الاستراتيجية العمرانية الوطنية واعتمادها من مجلس الوزراء ثم تم إعداد استراتيجيات المناطق وعمل مخطط إقليمي لكل منطقة يحدد الفرص الاستثمارية والتنموية فيها وما تتطلبه كل منطقة من مشاريع خدمية واقتصادية في رؤية وطنية غير مسبوقة في العديد من دول العالم ثم تبع ذلك إعداد مخططات هيكلية إقليمية ومحلية لجميع المناطق والمحافظات والمدن والقرى تم فيها تحديد اتجاهات النمو واستعمالات الأراضي وأنظمة البناء ومختلف التشريعات العمرانية التنموية، وهو ما أُكد عليه في خطة التنمية الثامنة.
ثم جاءت جولات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده, يحفظهما الله, إلى مختلف دول العالم للتعريف بالمملكة والدعوة إلى الاستثمار معها وفيها, تبعتها زيارة خادم الحرمين الشريفين مختلف المناطق ووضع حجر الأساس للعديد من المشاريع الحيوية، كل ذلك لتأكيد أهمية تحقيق التنمية المتوازنة والحرص على راحة المواطن واستقراره في كل أجزاء الحيز الجغرافي الوطني والاهتمام بالمواطن حيثما كان. هذه الدراسات والاستراتيجيات والمخططات والمشاريع والجولات المباركة تحتاج إلى وضع رؤية إدارية تنموية تنفيذية للمرحلة المقبلة تشارك فيها إمارات المناطق ومجالسها مشاركة فاعلة تقضي على مفهوم السلبية وعدم العمل الجاد من قبلها وتعطي مساحة أوسع من المسؤوليات لتلك المناطق وترفع نسبة الثقة بمسؤوليها, خصوصاً أن جميع مناطق المملكة, ولله الحمد, أصبحت تملك كفاءات إدارية تنموية قادرة على تحقيق التوجهات الخيرة لحكومة المملكة ويمكنها العمل على ضوء ما تم اعتماده من استراتيجيات وخطط، هذه المساحة المطلوبة للعمل والثقة لا يمنع من وضعها تحت نظام إداري جديد يؤكد أهمية الرقابة الفاعلة للتأكد من أن التوجهات التي يقوم عليها مسؤولو المناطق لا تخرج عما تم اعتماده وأيضاً تمنع الإحساس بالأمان والثقة المطلقة التي ربما تؤدي مع الوقت إلى شيء من الفساد الإداري، ولكن حتى تتحقق التوجهات المباركة للتنمية المتوازنة فإننا نحتاج إلى ما يلي:
أولاً: التأكيد والتحديث المستمر للخطط الوطنية التي تتواكب مع متطلبات العصر, وهذا دور الأجهزة المركزية.
ثانياً: تطوير التشريعات الإدارية والمالية ووضع الأنظمة الرقابية لتفعيلها, وهذا دور الأجهزة المركزية.
ثالثاً: اختيار الكفاءات الإدارية التي تساعد على تحقيق أهداف التنمية المتوازنة والقضاء على الترهل في الأجهزة الحكومية.
رابعاً: إعطاء المزيد من الصلاحيات الإدارية والتنظيمية واتخاذ القرارات للأجهزة الإقليمية والمحلية بما يضمن تنفيذ التوجهات الوطنية.
خامساً: دعم الأجهزة الإقليمية, خصوصاً مجالس المناطق بالإمكانات التي تساعد على إيجاد الدعم الفني والمعرفي للقيام بدور رائد ومسؤول في التخطيط والإدارة والإشراف المباشر على تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية الخاصة بالمنطقة، وعدم انتظار موافقة بعض الأجهزة المركزية للموافقة على انتداب موظف في المنطقة للمشاركة في مهمة محلية.
سادساً:
1- تطوير الأنظمة والتشريعات بما يحقق إعطاء المزيد من الصلاحيات للأجهزة الإقليمية.
2- إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية وفقاً لذلك وبما يتفق والمرحلة القادمة.
3- دعم الأجهزة الإقليمية بالإمكانات المالية والبشرية التي تساعد على قيامها بما تتطلبه التنمية المتوازنة.
4 - تجسير فجوة الثقة بين المسؤولين في الأجهزة المركزية والأجهزة الإقليمية وفقاً لنظام رقابي يمنع التجاوزات أو الفساد.
5 - جعل النظام الرقابي إيجابي التنفيذ بما يمنع أسباب التجاوزات أو الفساد ويطبق دون محاباة لأي مسؤول مهما كان وأيا كان.
6 - إلغاء النظرة السلطوية أو مفهوم الوصاية والاعتقاد أن مسؤولي الأجهزة المركزية أعرف وأحرص وأفهم من مسؤولي الأجهزة الإقليمية في مناطقهم.
7 - اختيار المسؤولين بناء ًعلى الكفاءة أولاً ثم الثقة والولاء .. إلخ.
8 - الجزم بأن التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وداخل كل منطقة هو لخير جميع المناطق وسكانها, خصوصاً المدن الرئيسة التي بدأت ترزح تحت ضغط الهجرة العالية إليها من محافظاتها والمناطق الأخرى.