منعاً لازدواجية الأدوار بين هيئة وجمعية حقوق الإنسان

[email protected]

بصدور القرار الملكي (207) بتاريخ 8/8/1426هـ، تمت الموافقة على تنظيم هيئة حقوق الإنسان، ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، وتهدف إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات، ونشر الوعي بها، والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
المادة الخامسة من تنظيم الهيئة، منحت مجلس إدارة الهيئة، باعتباره السلطة المهيمنة على شؤون الهيئة وتصريف أمورها، جميع السبل اللازمة لتحقيق أغراض الهيئة التي أنشئت من أجلها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، (1) التأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية، للأنظمة واللوائح السارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها في السعودية، التي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن، (2) إبداء الرأي في مشاريع الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومراجعة الأنظمة القائمة واقتراح تعديلها وفقاً للإجراءات النظامية، (3) متابعة الجهات الحكومية لتطبيق ما يخصها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها السعودية، والتأكد من اتخاذ تلك الجهات الإجراءات اللازمة، (4) إبداء الرأي في الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فيما يتعلق بانضمام المملكة إليها، أو الأحكام الواردة فيها، (5) الموافقة على تقارير المملكة المتعلقة بحقوق الإنسان، ورفع ما يلزم منها من قبل رئيس الهيئة إلى رئيس مجلس الوزراء، (6) القيام بزيارة السجون ودور التوقيف في أي وقت دون إذن من جهة الاختصاص، ورفع تقارير عنها إلى رئيس مجلس الوزراء، (7) تلقي الشكاوي المتعلقة بحقوق الإنسان، والتحقق من صحتها، واتخاذ الإجراءات النظامية في شأنها، (8) وضع السياسة العامة لتنمية الوعي بحقوق الإنسان، واقتراح سبل العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها، وذلك من خلال المؤسسات والأجهزة المختصة بالتعليم والتدريب والإعلام وغيرها، (9) التعاون مع الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، بما يحقق أهداف الهيئة وتنمية علاقاتها، (10) الموافقة على إقامة الدعاوى والرد عليها فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان.
قبل إنشاء هيئة حقوق الإنسان، تأسست الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان كهيئة غير حكومية مستقلة، في 18 محرم 1425هـ، لتمارس الدور نفسه المرتبط بصيانة حقوق الإنسان وحمايتها من أن تكون عرضة للتعدي أو الانتهاك من قبل الغير، وفق ما نص عليه نظام الجمعية الأساسي لأهدافه الأساسية وهي: (1) العمل على حماية الإنسان وحقوقه، وذلك وفقاً للنظام الأساسي للحكم الذي مصدره الكتاب والسنة، ووفقاً للأنظمة المرعية، ووفقاً لما ورد في الإعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجامعة العربية، وما نظمه المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة ووكالاتها ولجانها المختصة، وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية، (2) التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، (3) الوقوف ضد الظلم، والتعسف، والعنف، والتعذيب، وعدم التسامح.
يتضح لدى مقارنة الأهداف التي أنشئت من أجلها هيئة حقوق الإنسان وكذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أن هناك الكثير من التشابه والتداخل والتقارب إلى حد كبير بين في الدور الإنساني الذي تضطلع به الهيئة وكذلك الجمعية، المتمثل في حماية حقوق المواطن والمقيم في السعودية من أن تكون عرضة للتعدي أو للانتهاك، الأمر الذي قد يتسبب برأيي في تشتيت جهود الجهتين، وفي ضياع الوقت المرتبط بمباشرة والنظر في قضايا وشكاوى ودعاوى قد تخص الأشخاص أو الجهات المتظلمة أنفسهم، ولا سيما حين النظر إلي حجم القضايا التي تعرض على الجهتين، ومقارنة ذلك بمحدودية الموارد البشرية التي تعمل بكلا الجهازين.
برأيي للخروج من مأزق التداخل في الصلاحيات والاختصاصات بين الهيئة والجمعية، وتوفيرا للوقت والجهد، فإن الأمر يتطلب التنسيق الحثيث بين العاملين في الهيئة والعاملين في الجمعية، وبالذات بين إدارتي تلقي الشكاوى بهما، ومن هذا المنطلق لعلي أتفق مع الرأي الذي يطالب باستحداث مشروع نظام خاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية في السعودية، وكذلك إنشاء هيئة مستقلة تعمل على تأطير عمل ذلك النوع من الجمعيات والهيئات، وبالذات في ظل تنامي مؤسسات المجتمع المدني في السعودية، شريطة أن يحظى ذلك التنظيم وتحظى تلك الهيئة بالاستقلالية التامة عن الحكومة، ويتم اختيار أعضاء مجلس إدارتها عن طريق الانتخاب من ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، وبحيث، وكما طالب الباحث القانوني محمد بن عبد الله السهلي في مقال نشر له في جريدة "الرياض" في العدد 14263، أن تكون تلك الهيئة هي الجهة المسؤولة عن الترخيص للمؤسسات والجمعيات الأهلية والإشراف على أدائها، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يكون لإحدى الجهات لحكومية حق الإشراف على عمل تلك الهيئة، بهدف التأكد فقط من تطبيقها لأحكام النظام وليس بغرض التدخل وممارسة دور الوصاية، حيث إن وفقا لرأي الكاتب المذكور أن الاستقلالية التامة لذلك النوع من الهيئات عن الحكومة، يعتبر أهم ركيزة من ركائز عمل مؤسسات المجتمع المدني، حيث إن ذلك سيمكنها من تحقيقها لأهدافها المنوطة بها، وسيمكن كذلك من خلق التوازن بين سلطة الدولة وحقوق أفراد المجتمع.
آخرا وليس أخيرا وبغرض تفادي ازدواجية الدور بين هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، برأيي أن يقتصر دور هيئة حقوق الإنسان وأهدافها في الدفاع عن القضايا الحقوقية المرتبطة بحقوق الإنسان على المستوى الدولي فقط، وأن يقتصر دور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، على مباشرة القضايا التي لها علاقة بحقوق الإنسان على المستوى المحلي فقط، ولا سيما أن هيئة حقوق الإنسان وعلى الرغم من أنها تتمتع بشخصية اعتبارية ولها استقلاليتها، إلا أن كونها هيئة حكومية واعتماداتها المالية تخصص من ميزانية الدولة، فإن ذلك قد يتنافى مع مطلب استقلاليتها المنشود، وبالتالي قدرتها على ممارسة دورها على المستوى المحلي بالشكل المطلوب، وفق ما أشار إلى ذلك الكاتب في مقاله المذكور، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي