جهود السياحة والتدفق للخارج
نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر بتاريخ 14/7/2007 حديثا مستفيضا للأستاذ ناصر الطيار رئيس مجموعة الطيار للسفر والسياحة أشار فيه إلى أن الصيف الحالي يشهد أضخم موسم سياحي خارجي لدى السعوديين في تاريخ السياحة في البلاد, متوقعا أن يسجل الموسم أعلى رقم لعدد المسافرين, وأن يكون نصيب مصر وحدها أكثر من مليون سائح, وأن هناك محطات سياحية عديدة أدخلها السعوديون إلى برامجهم, حيث وصلوا إلى الصين وهونج كونج وكوريا الجنوبية. وأكد أن الطقس لم يعد مطلبا للسعوديين وعاملا يدفعهم إلى حمل حقائبهم إلى حيث الأجواء الباردة, إنما الأمر يتعلق بالاتجاه إلى مناطق جذب تملك مقومات وفعاليات وبرامج مشجعة, بصرف النظر عن طبيعة الطقس فيها. وألمح في ختام حديثه إلى أن العقبات التي تواجه السياحة الداخلية تتمثل في عدم توافر البنى التحتية للسياحة, وعدم وجود الخدمات الأرضية في المناطق السياحية والأثرية وتضارب الأعمال بين الجهات المسؤولة عن صناعة السياحة.
والحقيقة أن حديث الأستاذ الطيار يحمل الكثير من النقاط الجديرة بالتأمل والدراسة, لأنه يأتي من أحد رواد ومعاصري نشأة السياحة في المملكة, العارفين بخبايها ومشكلاتها, ويأتي في وقت كنا نحسب أننا قد نجحنا فيه في إبراز ما لدينا من مقومات سياحية أمام مواطنينا قبل غيرهم, كما أنه يأتي في زمن ندعي فيه أن الموارد الاقتصادية لدى الأسر والأفراد قد انحسرت وجفت, إما بسبب ارتفاع تكاليف مكونات تكاليف الحياة, وإما بسبب تبخر مدخراتهم في سوق الأسهم, وهذا يحدث رغم ارتفاع تكاليف السفر والإقامة في كل مكان من أصقاع الدنيا.
وهو يأتي, أيضا, في ظل وضع مشحون تخيم عليه مشاعر الخوف والإرهاب في كل مكان, وتلاحق المواطن السعودي فيه نظرات الارتياب والجفوة أينما حل, فضلا عما يواجهه, قبل ذلك, من معاناة وإشعار بالإهانة عندما يباشر إجراءات الحصول على تأشيرة السفر من قبل السفارات الأجنبية التي يتمادى بعضها في الإهانة, وإجبار المواطن على ممارسة أمور بعيدة عن أخلاقيات التعامل, للوفاء بمتطلباتها التعسفية, التي تهدف من ورائها إلى إشعاره في النهاية بأنه غير مُرحب به.
كل هذا يحدث, ورغم ذلك تزداد هرولة السعوديين إلى الخارج, وكل هذا يحدث رغم الجهود التي تبذلها الهيئة العليا للسياحة في محاولة للتأسيس لقيام صناعة وطنية للسياحة, وما تواجهه في سبيل ذلك من مقاومة شديدة على كل الأصعدة, وهي مقاومة لم تكن مستغربة في بلد لا يجذب معظم من يسافرون من أبنائه غير الدعة والاسترخاء والترفيه, ولا تضم برامجهم السياحية أي معنى للتزود بالمعرفة, أو زيارة أي معلم تاريخي أو ثقافي, وهي متوقعة, أي المقاومة, في بلد لا يعطي معظم من فيه أي معنى للآثار والإرث التاريخي, بغض النظر عن تبعيتها وانتمائها, بل إن هناك من يمارس الهدم قولا وفعلا لتخوفه من عودة الجاهلية, في عصر العلم والتقنية, في محاولة من البعض للإيهام بوجود علاقة ما بين الدعوة إلى الاهتمام بها وبين ضعف المعتقد.
إنه لأمر غريب يثير الحيرة حول مآل الجهود المبذولة ومصيرها في نظر المواطن الذي يدير ظهره لها مع حلول كل صيف, وينبغي أن يدفعنا ذلك إلى التأمل ومراجعة الوضع, ومحاولة إعادة المعادلة إلى وضعها الطبيعي, الذي يقول إن أعداد من يقضون إجازاتهم في بلدهم ينبغي أن تزداد موسما بعد آخر, ويقل بالتالي عدد رواد السفر إلى الخارج وليس العكس, وإلا كنا كمن ينفخ في قربة مثقوبة.
إننا ندرك مدى صعوبة مهمة القائمين على أمر السياحة في بلد لا يدرك أهله من معناها إلا الدعة والنوم, لكن على هؤلاء القائمين ألا يكلوا ولا يملوا, وأن يمضوا في مراجعة الخطط والبرامج بين وقت وآخر, ويجروا البحوث الميدانية للتعرف على ما يبحث المواطن عنه, ويعملوا على تحقيق ما يمكن تحقيقه منه مما لا يتعارض مع الثوابت من الدين, كوسائل الترفيه والتثقيف والتسلية, مع التشديد على توفير خدمات الإقامة بالمستوى اللائق والتكلفة المعقولة, مقارنة بما يجده المواطن في الخارج.
أما أهم شيء يبدو أننا في حاجة ماسة إلى تعزيزه فهو التشديد على التوعية والتثقيف بأهمية السياحة الوطنية من النواحي التاريخية والاقتصادية, ليس من ناحية الدعاية فحسب, بل من جهة ترسيخ مفهوم الشعور بالمواطنة, ومن حيث الولاء للتاريخ والمكان, وربط الماضي بالحاضر من خلال مناداة وتأمل الشواهد التاريخية القائمة في كل مكان من بلادنا, وأن يكون ذلك ضمن خطة وطنية إعلامية ترتقي بوعي المواطن إلى الإحساس بأهمية الآثار والثقافة والإرث التاريخي لبلده. ولنأخذ من حولنا أمثلة, فها هي الأردن رغم محدودية الإرث التاريخي والآثار لديها, قد نجحت في إيصال سمعتها السياحية إلى آفاق بعيدة, عندما استطاعت أخيرا إقناع العالم بتبني آثار مدينة البتراء كإحدى عجائب الدنيا, ولدينا, غير بعيد عنها, آثار مدائن صالح التي خلدها القرآن بالذكر وخلدتها الشواهد العجيبة في الأثر, ومع ذلك يجهلها العامة من مواطنينا, ناهيك عن غيرهم لأسباب عدة أقلها صعوبة الوصول إلى المكان, وافتقاره إلى وسائل الراحة والأمان.
أما السياحة الخارجية, أي طلب السياح من الخارج, فأرى أنه يكفينا منها, في الوقت الحاضر, ما تحفل به المواسم الدينية, وما يصاحب ذلك من مكتسبات على الصعيدين الاقتصادي والدعائي, إذا أحسنا استثماره والاستفادة منه وتحاشي سلبياته التي تنوء بمشكلاتها البلاد من جراء بقاء الأعداد الهائلة المترسبة في كل موسم, بطريقة غير نظامية. ولسنا في حاجة إلى المزيد قبل أن نملك من الوسائل ما يضمن مغادرة كل قادم بعد انتهاء غرضه, وقبل أن تتكامل لدينا مقومات السياحة الناجحة ونطهر البلاد من أي أثر للتطرف والإرهاب. والله من وراء القصد.