هل ظاهرة التضخم أزلية في الخليج؟

[email protected]

يبدو أن ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة) باتت من الحقائق المسلم بها في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وتؤكد التقارير أن مشكلة التضخم ستستمر في المستقبل المنظور لعدة أسباب جوهرية منها الحاجة إلى توظيف الفوائض النفطية فضلا عن ارتباط العملات (باستثناء الكويت) بالدولار الأمريكي.
وتوقع تقرير حديث صادر عن بنك (مورجان ستانلي) الاستثماري أن تزداد وتيرة التضخم في دول المنطقة وذلك على خلفية تنفيذ المزيد من المشروعات الاستثمارية في الدول الست فضلا عن استمرار تراجع قيمة الدولار الأمريكي.
توظيف الفوائض
باختصار تعززت إيرادات دول المجلس من النفط والغاز بشكل ملموس على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. حسب عدد خاص لدورية "ماكيزني كوارترلي" لشهر كانون الثاني (يناير) 2007 فقد تعزز دخل دول المجلس بشكل جذري في السنوات القليلة الماضية. حسب الدورية, حيث ارتفعت إيرادات المجلس مجتمعة من 100 مليار دولار في عام 2002 إلى 325 مليار دولار في نهاية عام 2006.
لا يبدو في الأفق أن أسعار النفط ستنخفض في المستقبل المنظور لأسباب مختلفة. حيث تتأثر أسعار النفط بعوامل متنوعة سياسية واقتصادية وأخرى نفسية. في هذه المرحلة التاريخية, تشمل العوامل السياسية تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط (العنف في العراق والملف النووي الإيراني) وأمريكا اللاتينية (تهديدات فنزويلا بقطع الإمدادات النفطية عن الولايات المتحدة) وحالات عدم الاستقرار في إفريقيا (تعرض أنابيب نقل النفط إلى النهب في نيجيريا). كما أن هناك أسبابا لا تقل أهمية مثل انخفاض درجات الحرارة بشكل غير متوقع في العالم. كما لا يمكن إنكار العامل النفسي مثل المضاربات وظهور الشائعات. بمعنى آخر, ليس بمقدور دول المنطقة السيطرة على المتغيرات التي تؤثر في أسعار النفط والغاز.
تراجع الدولار
إضافة إلى ذلك, هناك مسألة تراجع قيمة الدولار والتي بدورها تعد حجر الزاوية في المعاملات التجارية لدول المنطقة. وكانت السلطات الأمريكية قد عمدت في السنوات القليلة الماضية إلى الدفع باتجاه خفض قيمة الدولار مقابل بعض العملات الصعبة الأخرى مثل اليورو وذلك في إطار جهودها للقضاء أو بالأحرى تقليص العجز التجاري. على سبيل المثال, بلغ حجم العجز في الميزان التجاري الأمريكي 818 مليار دولار في عام 2006 بسبب قوة الواردات. تحتل أمريكا المرتبة الأولى في العالم فيما يخص الواردات تماما كما تحتل ألمانيا المرتبة الأولى للتصدير. بلغت قيمة الواردات الأمريكية من السلع في العام الماضي نحو 1855 مليار دولار.

تستخدم الولايات المتحدة قيمة العملة كجزء لا يتجزأ من سياستها التجارية الدولية.
بمقدور 80 سنتا من اليورو في الوقت الحاضر شراء دولار أمريكي واحد. بمعنى آخر, فإن اليورو يساور دولارا واحدا و25 سنتا ما يعني تسجيل زيادة في القيمة تفوق عن 30 في المائة مقارنة مع طرح العملة الأوروبية في 2002. يخدم تدني سعر الدولار (أو ارتفاع قيمة اليورو) الاقتصاد الأمريكي عن طريق جعل الصادرات الأمريكية أقل تكلفة. وفي المحصلة يستفيد الاقتصاد الأمريكي عن طريق تنشيط الدورة الاقتصادية وإيجاد وظائف جديدة فضلا عن المحافظة على وظائف أخرى.
الطلب على الدولار
وعلى الرغم من تراجع قيمته لا يزال الدولار الأمريكي العملة المفضلة في العالم. استنادا إلى تقرير حديث صادر من البنك الدولي شكل الدولار الأمريكي أكثر من 64 في المائة من حجم الاحتياطي العالمي في الربع الأول من العام الجاري. على أي حال, بلغ حجم الاحتياطي 5.300 مليار أي 5.3 تريليون دولار. وحلت الصين المرتبة الأولى في العالم، حيث احتفظت بنحو 1.300 مليار دولار. تعد الصين مصدرا مهما فيما يخص تمويل العجز الأمريكي، حيث هناك جانب كبير من الفائض المالي في شراء أذونات خزانة ومستندات التي تصدرها الحكومة الأمريكية. تساعد هذه الأموال في احتفاظ أمريكا بمصدر تمويل مضمون الأمر الذي يساعد في الاحتفاظ بأسعار متدنية للفائدة. بدورها الفائدة متدنية نسبيا.
اللحاق بالكويت
ونبه تقرير (مورجان ستانلي) إلى احتمال حذو كل من الإمارات وقطر حذو الكويت في رفع قيمة عملتها الوطنية مقابل الدولار. وذكر التقرير أن نسبة التضخم تبلغ 13.5 في الإمارات فضلا عن 15 في المائة في قطر. وكانت الكويت قد عمدت إلى فك الدينار من الدولار في أيار (مايو) الماضي في محاولة للحد من ظاهرة استيراد التضخم بسبب ارتفاع فاتورة الواردات من السلع غير المسعرة بالدولار. في المقابل قررت ربط عملتها بسلة من العملات الدولية بما فيها الدولار واليورو. وفي وقت سابق, عززت الحكومة الكويتية من محاولتها كبح جماح التضخم بواسطة رفع قيمة الدينار مرة أخرى.
يبقى أن الأيام كفيلة بكشف الطريقة التي ستتعامل بها كل دولة عضو في منظومة مجلس التعاون مع آفة التضخم أو (عدو الجميع) كما يقال في الفكر الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي