أرباح البنوك.. والتحديات القادمة
أرباح البنوك.. والتحديات القادمة
بدأت جميع البنوك المحلية نتائجها المالية للربع الأول من هذا العام بتراجع أرباحها في هذه الفترة عن الفترات السابقة في الأعوام الماضية ولم يكن تراجع أرباح البنوك مفاجأة بل كان متأخرا عن التوقعات, خصوصا للبنوك التي يغلب على عملياتها الوساطة لبيع الأسهم وشرائها، والصناديق الاستثمارية، و إدارة الاكتتابات, وكان البنك العربي البنك الوحيد الذي حقق زيادة طفيفة في الأرباح خلال هذه الفترة.
ذكرت في مقالة سابقة لي في العام الماضي بعنوان "أرباح البنوك.. والإفراط في التفاؤل" أن القطاع البنكي لا محالة سيعاني تداعيات أزمة سوق الأسهم السعودية الماضية التي سبق أن أسهمت في تأجيجها, وانخفاض الأرباح كان متوقعا لا محالة بحد أقصى في فترة الربعين الثالث أو الرابع من عام 2006، و لم يكن من المتوقع أن تتأخر نتائج تراجع أرباح البنوك للربع الأول لهذا العام 2007.
إن تراجع أرباح البنوك في هذه الفترة أوضح أن تداعيات أزمة سوق الأسهم السعودية الماضية ليس سببا كافيا لتراجع أرباح البنوك، ولكن بالتزامن مع الأسباب الأخرى بالإلزام مؤسسة النقد العربي السعودي البنوك بالحد من القروض الشخصية وقروض تمويل شراء الأسهم بعد أزمات سوق الأسهم التي أدت إلى تباطؤ في النمو مقارنة بما كانت عليه القروض في السنوات السابقة، كانت كافية لتراجع أرباح البنوك، وإضافة إلى فشل البنوك في استقطاب المزيد من الرساميل عبر طرح المنتجات الجديدة والمتمثلة في الصناديق العقارية والأسهم الأجنبية، بسب ضعف الثقة والريبة لدى المستثمرين في البنوك بعد تجارب صناديق الأسهم السعودية التي كبدتهم خسائر هائلة.
من خلال نتائج الربع الأول لهذا العام أصبحت الصورة واضحة لتحديد مسار القطاع البنكي في المستقبل وضرورة الاستعداد لجولات جديدة من المنافسات, خصوصا مع التحديات الجديدة المقبلة, التي تتلخص في الآتي:
1 - دخول البنوك الأجنبية الكبرى المنافسة بما تملكه من إمكانات هائلة ومنتجات مبتكرة دافع قوي إلى إعادة صياغة الفكر المصرفي، وارتفاع حدة المنافسة بينها في الأسواق المحلية.
2 - ارتفاع حدة المنافسة بين البنوك المحلية بعد استنفاد كل الطرق التقليدية لاستقطاب العملاء, فقد بات مهما لهذه البنوك تبني استراتيجيات مختلفة تعزز مكانتها أو على الأقل البقاء في إطار التنافس.
3 - شركات الاستثمار وأعمال الوساطة المالية في البنوك مع قرب نهاية المهلة التي حددتها هيئة سوق المال السعودية لفصل هذه القطاعات بحد أقصى في شهر (يونيو) 2007 وتحويلها إلى شركات الوساطة المالية وعدم حصول الكثير من البنوك المحلية على التراخيص اللازمة لممارسة الاستثمار وأعمال الوساطة المالية في السوق ودخول شركات استثمارية جديدة منافسة للبنوك.
4 - تطبيق البنوك معايير اتفاقية بازل 2 بحلول الأول من كانون الثاني (يناير) 2008, التي تهدف إلى التأكد من كفاية رأس المال لدى القطاع المصرفي لمواجهة أي مخاطر محتملة، إضافة إلى تقييم أنظمة إدارة مخاطر المصارف وتأكد الجهات الرقابية من ملاءمتها ومواكبتها درجة المخاطر التي قد تواجه المصارف, وذلك وفقاً لأفضل الممارسات المصرفية في مجال الرقابة المصرفية الفاعلة، واتباع البنوك سياسة المحافظة ببناء مخصصات إضافية كافية لكي تتمكن من الاستمرار في التوسع في الإقراض بزيادة رصيد مخصص خسائر الائتمان. ومن أهم التحديات التي ستواجه البنوك لتنفيذ هذه الاتفاقية التكلفة الإضافية المترتبة على مراقبة وتوجيه أشكال ومناطق توظيف الأصول التمويلية والاستثمارية التي ستنعكس على تسعيرة الخدمات وحجم السيولة الموفرة للإقراض المحلي، وحجم الاستثمار في تطوير البنية التقنية والمعلوماتية للبنوك لتواكب تنفيذ ومراقبة متطلبات الاتفاقية وإعداد التقارير الرقابية.
5 - مضاعفة غالبية البنوك المحلية لرساميلها إلى ما يتجاوز في بعضها الضعفين في فترة وجيزة، مما قد يمثل ذلك عبئا أكبر على البنوك للمحافظة على المستوى نفسه من العوائد والربحية.
6 - الاندماجات والاستحواذ بين البنوك الصغيرة والمتوسطة من أجل إقامة كيانات مصرفية عملاقة قادرة على مواجهة المؤسسات المالية الدولية والتحكم في المصروفات العمومية والإدارية ومخاطر العمل المصرفي على الصعيدين المحلي والدولي.
7- زيادة نصيب دخل الأفراد من جراء النمو الاقتصادي المطرد وحاجتهم إلى خدمات بنكية خاصة تتطلب توافر فروع كثيرة وعالمية.
بعد استعراض كل هذه التحديات الجديدة القادمة التي يجب على البنوك أن تكون في حالة استعداد تام لخوضها وخوض أي تحديات مستقبلية أخرى لتعزز مكانتها أو على الأقل البقاء في إطار التنافس وتحديد مواقعها بين البنوك العالمية والمحلية المنافسة في السوق, وذلك بالتركيز بشكل أكبر على إيجاد منتجات تسهم في خدمة المجتمع، وتحقق ربحا مناسبا لها في الوقت نفسه عبر المنتجات الكثيرة والمتوافقة مع الشريعة في مجالات الخدمات المصرفية الاستثمارية والتمويل السكني والصيارفة والتأمين وإيجار المعدات الثقيلة وغيرها من الخدمات التي يمكن لها مزاولتها من خلال شركات متخصصة منفصلة عن النشاط المصرفي التقليدي.