محكمة للقضايا العقارية
ربما تكون المنازعات العقارية أكثر أنواع المنازعات طرحا أمام المحاكم العامة سواء من حيث عددها أو من حيث القيمة المالية لتلك الدعاوى، وهذا يرجع إلى أن العقار أيا كان هو أهم الممتلكات وبه ترتبط جميع الأعمال مدنية كانت أو تجارية. ومن هنا فإن وزارة العدل قد رأت في دراسة حول قضايا العقار وتوصلت إلى أن تعدد قضايا العقار وحاجتها إلى سرعة البت فيها يتطلب وجود محكمة عقار متخصصة فقط في المنازعات العقارية وما يتفرع عنها مثل استثمار العقار ورهنه وجميع الحقوق المتعلقة به تملكا واستغلالا وانتفاعا.
إن الوقت الذي تستغرقه قضايا العقار يعتبر مقارنة بأنواع القضايا الأخرى وقتا قياسيا يفوق المعتاد والمألوف بل ويؤدي إلى جعل قضايا العقار كالنفق الذي لا مجال للخروج منه، وهذا يفتح الباب واسعا لكل من أراد المماطلة والتسويف، كما أنه يهيئ الفرصة لمن يريد استغلال طول الإجراءات القضائية لكي يرتب لنزاع مسبق بحيث يكون خصمه تحت رحمة الوقت الذي ليس في صالحه وهنا فإن تفهم أسباب تفاقم إشكالية دفع الإيجار يرجع إلى أن المستأجر يعرف ما سيواجهه مالك العقار عندما يرفع دعوة قضائية، إذ يبقى الحال على ما هو عليه ولا يجد مالك العقار وسيلة تخفف الضرر اللاحق به، وهذه إحدى الحالات التي يؤدي إليها تأخير البت في منازعات العقار، لذا فإن النتيجة التي يجب تحقيقها سرعة البت في قضايا العقار كهدف رئيس سواء كان ذلك بإنشاء محكمة مستقلة أو بزيادة عدد القضاة في المحاكم العامة.
لقد أبدى عدد من العقاريين تذمرا بسبب ما يواجهونه من تأخير الفصل في قضاياهم العقارية أمام المحاكم بل وعدم جبر الضرر عندما يكون المدين بالالتزام يستغل إجراءات التقاضي أو يماطل في حق ثابت، ولعل أول ما يجب فعله تحميل الطرف الخاسر للدعوى مصاريف الدعوى وأتعاب المحاماة، وهي نتيجة عادلة عندما يكون الحق واضحا ولا مجال للاعتقاد ببراءة الذمة أو طلب صدور حكم يضع الحق في نصابه.
إن للوقت قيمة عالية في جميع القضايا ولكن الملاحظ أن الصفة الثابتة للعقار تجعل المحكمة تتريث في الفصل النهائي. فالعقار ثابت غير منقول وبالتالي فإنه ليس هناك مبرر للاستعجال فهو مال بطبيعته لا يمكن نقله ومن ثم فإنه يمكن إعطاء الأولوية لقضايا أخرى، كما أن تعقيد قضايا العقار وتشابك العلاقة القانونية بين أطرافها يجعل منها قضية تتطلب وقتا أطول لحث الخصوم على الصلح أو للتثبت من دعوى الطرفين، ولكن قد يفوت على المحكمة النظر إلى الموضوع من جوانبه الأخرى والتي من أهمها أنه يؤدي إلى إنكار الحقوق الثابتة وعرض ما لا يستحق أن يعرض على القضاء وفي ذلك إهدار لوقت القضاء وخصوصا في التزامات العقود وعلى الأخص منها التأجير الذي أصبح يأخذ من وقت المحاكم الكثير في حقوق مالك العقار المؤجر، في حين يفترض أن يبت في ذلك مباشرة من أول جلسة أو لدى الجهات التنفيذية كالحقوق المدنية.
لقد بادرت وزارة العدل إلى تطوير القضاء من خلال مبادرات عديدة والآن تخطو الوزارة نحو إعطاء العقار خصوصية في سرعة الفصل في منازعاته وتخصص القضاة الفقهي والنظامي والذي يتناسب مع حجم هذه المشاريع التي يتم بناؤها كوحدات سكنية وأيضا بتمويل من المشترين أو المساهمين في هذه المشاريع. ولعل هذه المبادرة فاتحة خير تسهم في نهضة عقارية خالية نسبيا من الخلافات القضائية.