مهنة من ليس له مهنة!!
المهنة التي أتكلم عنها مهنة إنسانية تسهم بفاعلية في بناء المجتمع وتطويره. هي فن تفهم احتياجات الآخرين والقدرة على مساعدتهم على تطوير ذواتهم ليصبحوا أخياراً متميزين. وهي أيضا مهارة القائد في المنظمة المستشرف للمستقبل المؤمن بمبدأ إتاحة الفرص للمنافسة والتميز في الأداء والتكاملية بين العاملين. مهنة من لا مهنة لـه أيها السادة هي مهنة التدريب، الذي أصبح تعذيباً لأخلاقيات المهنة وهدراً للموارد المالية والبشرية، و بوابة وجاهة للإدارات حتى تثبت أن لديها إنجازاً يذكر وليس خططا استراتيجية لم يتحقق الربع من أهدافها. فبينما يرتقي نشاط تنمية الموارد البشرية والتدريب في العالم المتقدم إلى المستويات الدولية العالية رغم بيئة المنافسة المحتدمة، إلا أن التدريب لدينا، في الغالب، ما زال يرتدي عباءة التعليم ويترنح بين التلقين المعرفي والإلقاء الهزيل الذي لا يسمن ولا يغني "الهفتانين" من الجوع ! فلا وجود لقواعد قانونية وإدارية تحكم وتنظم مهنة التدريب!
وبما أن صناعة التدريب هي القضية الأولى في بلادنا والدليل: أن هناك آلاف الأنشطة التدريبية المتخصصة تنفذ حالياً أو أخرى يجرى التخطيط لها، وهناك اهتمام كبير من الجهات المسؤولة للنهوض بالعملية التدريبية. لذا دعونا نسأل أسئلة شريرة هنا: هل كل من يمارس مهنة مدرب على دراية تامة بأخلاقيات وقواعد وأسس المهنة ؟ هل يمتلك المدرب السعودي المعارف والمهارات والاتجاهات والمواقف التي تمكنه من ممارسة المهنة ؟ هل لديه " الكاريزما" ويعشق المهنة ويخلص لها ؟ لا شك أن هناك البعض المتفوق في أدائه (من رحم ربي)، إلا أن البلد أصبحت تعج بمن يحاول الانتساب لهذه المهنة الراقية!! والمصيبة أنه يمارسها بلا رقابة ؟ ويطبل له الآخرون ظناً منهم أنه يقدم شيئاً مذكوراً !!
مشكلة التدريب ياسادة هي ضعف القائمين على مهنة التدريب وعدم وضوح طبيعة ومكونات المهنة كغيرها من المهن، مما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الكثيرين لادعاء التخصص بها وامتهانها ؟؟ كما أن قلة عدد المدربين والمدربات العرب (السعوديين خاصة) وعدم انتظامهم في إطار تجمع مهني معتمد، يؤثر في تسارع عجلة التنمية ويقلل من الميزة التنافسية للمواطن والمواطنة في المجتمع . فنسمع عن مدرب معتمد وكبير مدربين وخبير تدريب وشيخ المدربين وأسماء أخرى تفتقت عن أذهان أصحابها، ما أنزل الله بها من سلطان !!
أصبح المفهوم العالمي الجديد يركز على تحويل إدارة التدريب في المنظمات إلى إدارة الأداء. أي التركيز على مخرجات العملية التدريبية وليس الوسائل أو المدخلات. إذ إن المطلوب من التدريب في عصر التحولات السريعة والقرية الكونية، أن يؤدي إلى نواتج سلوكية قابلة للملاحظة والتغير وأيضاً للقياس بأساليب مختلفة تخضع لطبيعة البيئة . ونحن ما زلنا مصرين على التدريب بحد ذاته وليس الأداء !!
ما زلت أتذكر أننا ومنذ بداية توهج ثقافة التدريب والدورات والبرامج، منذ 15 عاماً، كان معيار التحاقنا بالبرامج التدريبية هو إمكانية الحصول على الشهادة والرسوم المنخفضة. كنا نفتش عن أرخص الأسعار لأن الهدف كان التطوير والميزانية مدفوعة من جيوبنا الخاصة، فالتحقنا ببرامج مكلفة في الكثير من المجالات وتدربنا وتعلمنا داخل وخارج المملكة. وكان الحال "عال" والحياة جميلة والأمور من حسن إلى أحسن .. فلما وصلنا مرحلة التشبع ... تكونت لدينا ثقافة الانتقاء المقنن الذي يتوافق مع الميول والاتجاهات والأهداف الوظيفية والشخصية. وأصبحت القيمة المضافة التي تحققها هذه البرامج هي المحك الرئيس لاختياراتنا.
وحتى نتكلم بالروح الإيجابية التي وعدت بها، أعترف لكم أن هناك انتشاراً لثقافة انتقاء البرامج التدريبية الملائمة لدى البعض، وهذا الذي نريد، هذه بداية أعراض الشفاء من حمى التدريب، لأن ذلك سيحتم على "أشباه المدربين والمدربات" ضرورة التجديد والتجويد من أجل البقــاء، فقاعدة السوق تقرر أن البقاء للمتميز الأصلح في أي مهنة وليس لذوي القدرات الهزيلة.
التدريب شريان الحياة المعاصرة ويعني أن نكتسب القدرة على التعايش وفق تميزنا وسمو تعاملاتنا الإنسانية، الأمر كله في النهاية معاملـة، "الدين المعاملة ". يجب أن يرفع التدريب من إنتاجية الفرد السعودي و على المدرب المتخصص أن يشارك بنجاح في ذلك. لذا فتوقعاتي أن الطلب على مهنة التدريب سيتزايد في السنوات العشر المقبلة ولن يتوقف، فهي من المهن التي يعول عليها الكثير للتغيير والتطوير والإصلاح في بلادنا. فانتبه أيها المتدرب منذ الآن لاختيارك من المدربين، وانتبه يا صاحب العمل للمدرب الذي سيؤهل الموظفين !! وانتبهي يا بلادي لمن كان منهم من المتميزين !! وعذراً أيتها المهنـة، فقد حمّلك البعض أكثر مما تطيقيــن !!