القدوة في الدعوة إلى الله.. مبادئ كريمة وأساليب قويمة وهمّة عالية

القدوة في الدعوة إلى الله.. مبادئ كريمة وأساليب قويمة وهمّة عالية

الدعوة بالفعل كالدعوة بالقول، بل قد تكون الدعوة بالفعل في مواطن كثيرة أبلغ من الدعوة بالقول وهذا ما يسمى بالقدوة أو الأسوة. قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). قال القرطبي رحمه الله في جامعه عن هذه الآية (الأسوة القدوة، والأسوة ما يتأسى به أي يتعزى به فيقتدى به في جميع أحواله)، إذاً فالقدوة في الدعوة إلى الله تعالى أساس من الأساسات التي يجب على الداعية أن يهتم بها ولذا نجد ابن القيم رحمه الله تعالى ينبه على أهمية القدوة في الفوائد ص 16 ويقول (علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلمّوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له. فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطاع طريق).إن التطبيق لما ندعو إليه يثير في نفس المدعوين الإعجاب به واستحسانه وتطبيقه، وتعطيهم قناعة أنه يمكن أن يعمل بهذا الذي يؤمر به وينهى عن ضده. إلا أن أفهام الناس تتفاوت فيما يسمعون، لكن لا تتفاوت فيما يرون، ولذلك نهتم بمسألة القدوة في الدعوة إلى الله تعالى. إن الثبات على المنهج الحق والإيمان بالمبدأ من أهم شروط القدوة فإن كان منهجا صحيحا ومبدأ يرضي الله تعالى فإن صاحبهما هو القدوة الحسنة، عدم التنازل في زمن المتغيرات عن الثوابت، عدم التساهل في أحكام الله تعالى، عدم التأثر بالمرجفين والمثبطين، كل هذا الثبات من أبرز سمات القدوة الحسنة في هذا الزمان. من الأصول التي ينبغي أن يكون عليها الداعية إلى الله تعالى ليكون قدوة حسنة عدم الانقطاع عن العمل دون مبرر شرعي فهو يدخل حينها في زمرة الذين قال الله تعالى فيهم (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).فليتنبه الداعية من أن يطيع هوى نفسه فيسقط من أعين المدعوين ويكون قدوة سيئة والعياذ بالله. يقول ابن الحاج في المدخل 1/107 (الغالب على النفوس الاقتداء في شهواتها وملذاتها وعاداتها أكثر مما تقتدي به في التعبد الذي ليس لها فيه حظ. فإذا رأت ذلك من عالم وإن أيقنت أنه محرم أو مكروه أو بدعة، تعذر نفسها في ارتكابها لذلك إن سلمت من سم الجهل، تقول: لعل لهذا العالم العلم بجواز ذلك لم نطلع عليه أو رخص فيه العلماء. فإذا رأت من هو أفضل منها في العلم والخير يرتكب شيئا من ذلك فأقل ما فيه من القبح (الاستعصار والتهاون بمعاصي الله تعالى وهو السم القاتل).والداعية يتميز أيضا بصفة أخرى وهي عدم انتصاره لنفسه ، فهو متجرد عن حظوظ نفسه، يتسامح مع الخلق إن هم أخطأوا فيه ويعفو ويصفح و يعترف بخطئه إن أخطأ. وصل إلى درجة راقية من التعامل مع الخلق فاقتدوا به آنذاك. فها هي عائشة رضي الله عنها تقول (ما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط) وفي قصة تأثير النخل وتراجعه صلى الله عليه وسلم عن الخطأ أعظم دليل على تجرده لله سبحانه وتعالى وهذا الذي يجب أن يكون عليه الداعية إلى الله تعالى.
ولن يصل الداعية إلى هذا المستوى من الرقي في التعامل مع الناس حتى يكون حسن الخلق.
إن الداعية إلى الله يحتاج في دعوته إلى هذا العنصر الفاعل عنصر الخلق الحسن الذي به يستجيب الناس له ويتبعون قوله لأنهم يرون حسن خلقه، الداعية إلى الله هو القدوة في الصبر والرحمة والرفق والتواضع وحسن المخالطة يضع أمام ناظريه دائما وأبدا قول الله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم). فالقدوة في صعوده بالناس في درجات الصالحين والسابقين لا ينظر خلفه إلى متاع زائل، فإن ذلك يؤخره في المسير بهؤلاء المتقدمين.هذا يحيى بن يحيى الذي سماه الإمام مالك عاقل أهل الأندلس. كان جالسا مع أصحاب مالك عند مالك يوما، فقال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه وبقي يحيى مكانه، فقيل له: لم لا تخرج فترى الفيل لأنه لا يكون في الأندلس؟ فقال يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجئ لأنظر إلى الفيل فأعجب به مالك وسماه (عاقل أهل الأندلس). لا أقصد أن يحرم الداعية نفسه مما أباح الله ولكن المقصد عدم الإفراط فيه.هذا وأسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر إنه ولي ذلك والقادر عليه.

محمد بن سعد بقنة الشهراني
عضو الدعوة في نجران.

الأكثر قراءة