شغب الملاعب.. دور وقائي قبل أن يتفاقم
الكل يشتكي الشغب في الملاعب بل وخارجها, مما له علاقة بما يجري في الملاعب، وما لدينا ليس شيئاً يذكر إذا ما قورن بما يجري في الملاعب الأوروبية والشوارع عقب نهاية المباريات، ولأمريكا اللاتينية نصيب أيضاً. ولأن الكل يشتكي هذه الأحداث العنيفة التي يمارسها البعض من الجمهور التي تتحول إلى المساس بالأمن والسكينة والهدوء التي يجب أن تسود فإن الاستعداد لمثل هذه الأحداث قبل وقوعها ومعالجتها بعد حدوثها عن طريق العقاب الرادع من متطلبات حماية أمن المجتمع والمحافظة على الرياضة من تحولها إلى غير الهدف الأساسي لها, أو أن تتحول إلى عبء يفرض وجود أمن رياضي وقوى أمنية مهمتها السهر على حسن سير الحركة الرياضية، فالرياضة تنافس شريف وليست ميدان نزال أو عراك, ويجب ألا تتحول إلى شجار بين الجمهور أو المشجعين الذين ليس لهم دور في المباراة سوى التشجيع والاستمتاع بالكرة, وإضفاء الطابع التنافسي على أداء اللاعبين, وتقديم الأندية من خلال عمقها الاجتماعي وارتباطها الوثيق بحياة الناس اليومية, فالرياضة اليوم لها بعد حضاري واجتماعي واقتصادي أيضاً.
إن كرة القدم أوجدت فئة من المشجعين يقومون بأعمال غير مسؤولة, بل ولها جانب جنائي بسبب عدم قدرة أولئك على ضبط أعصابهم, فبمجرد خسارة الفريق يتحولون إلى منتقمين من كل شيء حولهم كما أن التعبير عن الفرح بسبب فوز الفريق أيضاً يسبب لهم الخروج عن المألوف في التعبير عن الفرح إلى إبداء الرغبة في تدمير الممتلكات وإيذاء الآخرين. هذا الشغب له درجات متباينة حيث يأتي "الهوليجانز" في إنجلترا على رأس القائمة في الشغب، حيث تسبب في أشهر حادثة شغب معروفة في ملاعب العالم هي تلك المأساة التي حدثت في ملعب (هيسل) البلجيكي وراح ضحيتها مئات المشجعين الأبرياء الذين انهار بهم مدرج الملعب وسحقتهم الأقدام نتيجة الأفعال الجنونية الإجرامية التي قام بها المئات من (الهوليجانز) الإنكليز.
لقد استفاد العالم من التجربة الإنجليزية بل وانعكس على قوانين "الفيفا"، حيث تنعقد لجنة العقوبات لتواجه أي ظاهرة تسيء إلى كرة القدم والتي هي بيت القصيد في الشغب الرياضي متميزة بذلك عن جميع الألعاب الرياضية الجماعية. ولأن هذه الظاهرة انتقلت إلى الملاعب في فرنسا وإيطاليا وتركيا حيث أصبحت مشاهد الصدامات بين رجال الأمن والجمهور تشوه جمال الكرة وتستقطب الاهتمام باعتبارها أكثر إثارة مما يجري داخل الملعب فقد أصبح هناك بالفعل إشكالية ترافق كرة القدم وهي التعصب الأعمى وانعدام الوعي والتصرفات غير الأخلاقية التي تؤدي إلى الإصابات البدنية والآلام النفسية وأحيانا الوفيات أما الإتلاف والتدمير والمساس بالأمن فإنه من أول الضحايا التي تتضرر نتيجة هذا الانفلات.
ولعل ملاعبنا لها نصيب من ذلك ولكنه أقل عنفاً وحدة مما هو عليه الحال في الملاعب الغربية، ومع ذلك فإن هذه السلوكيات التي يرفضها المجتمع بدأت تتزايد في وسطنا الرياضي ورغم ما يقوله المحللون من أن ذلك يرجع إلى نظرية الغرائز، حيث يولد الإنسان ولديه الاستعداد المسبق للعدوان، أو تلك النظرية التي تعتمد الإحباط كسبب وحيد لهذه الظاهرة، أو تلك النظرية التي تفترض نظرية التعلم الاجتماعي، حيث العنف والعدوان ظاهرة مكتسبة عن طريق المحاكاة، إلا أن التدقيق يقول بخلاف ذلك فهذه الظاهرة حديثة ومنذ أن عرفت كرة القدم والجمهور يحضر المباريات ولا يمارس هذه السلوكيات، كما أن الإحباط لا يتفق مع ما يفرضه التنافس الكروي من احتمال الفوز أو الخسارة. ولكن الحقيقة أن من أمن العقوبة أساء الأدب.
إن مواجهة المتجاوزين للروح الرياضية يكون بالعقاب الفوري والمحاكمة السريعة بل والعلنية في توقيع العقوبة البدنية أمام الملاعب وقبل المباريات، فالتشهير بالمخالفين ومنعهم من حضور المباريات كفيل بالسيطرة على هذه الظاهرة، كما أن تطور وسائل الوقاية قد يصل إلى حد تفتيش الجمهور قبل دخول الملعب. أو تقليص الحضور الجماهيري والتوسع في القنوات الفضائية الرياضية حيث يشاهد كل فرد المباراة مستقلاً عمن يحفزه نحو الانفلات أو الإخلال بالسكينة العامة.
إن العقوبات الفورية خير علاج، أما وسائل الإعلام فإنها ذات دور ومسؤولية في آن واحد فكلما كان التناول محايداً بعيداً عن التأثر بالميول الرياضية موضوعياً فإنه ينعكس على الثقافة الرياضية ومن ثم السلوك للاعبين والإداريين والجمهور.